عُد شهرين إلى الوراء، ترى المشهد مختلفاً بالكامل عما قد تفرزه حلقة "الإستقالة والتريّث"، فبعض الحسابات لم يعد يعمر لساعات قليلة قبل أن تطيح به موجة مفاجئة. قبل خطوة سعد الحريري، لامس الجميع ذروة الإنهماك الإنتخابي في الخارج قبل الداخل، وفي لحظة "صام" كثيرون عن الكلام على قاعدة "عند تغيير الدول إحفظ رأسك".
ضع نفسك، كمراقب لكل ما يحصل في السياسة، مكان سامي الجميّل. تزدحم لدى رئيس حزب الكتائب الدعوات الرسمية لزيارة الدول، منها من لفتتها الحركة المعارضة التي يقف في واجهتها وتريد تعزيز توجهه في السياسة الخارجية للبنان.
السعودية تدعو والجميّل يلبّي فيلتقي ولي العهد محمد بن سلمان. روسيا تدعو والجميّل يلبّي فيُستقبَل بحرارة وثقة من قبل نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغداف ويلاقي تجاوباً مع مبادرته حول أزمة اللاجئين السوريين. الأردن "صديقة العائلة" تدعو فيستقبل ملكها عبدالله الثاني حفيد بيار الجميّل لمدة ساعة، وفق المعلومات، في قصر الحسينية وهو المكان الذي يستقبل فيه العاهل الأردني كبار زواره من رؤساء الدول والشخصيات الدولية، في تجاوز للبروتوكول المعهود. فيما كان آخرها تلبية دعوة رسمية من دولة الإمارات لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين.
في الغرب، "يحوز" على الترحيب بالشخصيات الدولية ويجلس على طاولة المحادثات. وفي عيون العرب، "يفوز" بمعاملة رؤساء الدول ويجلس على مقاعدهم.
الجميّل، كما الحريري، بات "يذهب ويعود". وما يجمعهما أن العودة في كل مرة محفوفة بالألغام على أنواعها، وما على السائر إلا أن "يخلّص نفسه" بينها... أقله الآن. لكن من ارتضى التخلي عن السلطة منذ البداية ليس كمن يعود ليجدها تنتظره بحفاوة شعبية. حالة رئيس الكتائب، الذي مضت على انتخابه سنتان ونيّف، أنه يحيط نفسه بمن يفهمه ويتفهمه ويلجأ إلى التكتّم لتفادي أيّ "دعسة ناقصة" تسمح لـ"المصطادين" بالإصطياد. وهو في خيار المعارضة الشرسة لم "يتريّث" بين باخرة كهرباء وبيومترية وحرية الإعلام ومسألة السيادة، حتى في الإتصال بالحريري وإبلاغه الرغبة في عودته سريعاً. فبقدر ما وسع أهل العهد "البيكار"، بقدر ما رفع سامي "سقف" معارضته هذه. هو لم يعتد على ممارسة السلطة وقد يكون نجحَ في تغيير نظرة الكتائبيين إليها نوعا ما.
قبل ٤ و٢٢ تشرين الثاني، التساؤلات كانت كثيرة وتضاعفت بعدهما: هل من خطوة تالية لاتصال الجميّل بالحريري؟ أن يزور رئيس الكتائب "بيت الوسط" مثلاً، أو ينتظر العودة إلى السراي إن حصلت؟ هل كان سامي الجميّل على حق؟ هل ما حصل سيُعيد اللحمة مع "القوات"؟ وكيف سيوفّق بين بعض أصدقائه من المستقلين وحلفائه السياديين في الإنتخابات المقبلة؟ لننتظر ونرَ.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك