بعد مسارٍ طويل من اللقاءات والإجتماعات في جامعة الروح القدس في الكسليك، توصّلت الأحزاب اللبنانية إلى خطوةٍ هي الأولى من نوعها على مستوى عمل الأحزاب السياسية في لبنان.
ما نجحت القوى الحزبيّة والمستقلّة في تحقيقه، بمختلف توجّهاتها واصطفافاتها، يكمن في إصدار مسودّة سياسة وطنية عامّة حول "لبنان والنزوح السوري" لما لهذا الملفّ الإستراتيجي من أهميّة سيّما بعد تأليف الحكومة الجديدة التي ستشكّل قضيّة النازحين السوريين سُلَّم أولوياتها لناحية مدى قابليّة الورقة لتبنّيها رسمياً كي يتمّ ترجمتها على أرض الواقع.
والرهان هنا يقع على كاهل مجلس الوزراء الجديد وسياسته العامة التي درس بنودها خبراء واختصاصيون،أبرزهم الخبير في السياسات العامّة واللاجئين زياد الصائغ الذي استقال من وزارة الدولة لشؤون النازحين.
تنطلق المسودّة في مقدّمتها من أنّ عدد النازحين السوريين في لبنان بلغ عدده المليون ونصف، حيث تؤكّد أنّ "لبنان ليس بلد لجوء نهائي ويرفض التوطين، كما ورد في مقّدمة الدستور، لكنه تعامل مع أزمة النزوح من منطلق الواجب الإنساني بشكل أساسي، ومن منطلق انتمائه كعضو مؤسس إلى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والتزامه بمبادئها"، على اعتبار أنّ "مأساة النازحين السوريين قد تخطّت الإطار الإنساني الذي قام لبنان بأكثر مما يحتمل تجاهه، لتُصبح هذه المأساة قضية عربية وعالمية لا يستطيع لبنان أن يتحمّلها منفرداً"، مع التأكيد على أولوية الحل السياسي السلمي ومرجعية شرعة حقوق الإنسان والإلتزام بمكافحة الإرهاب بأشكاله كافّةً، وحماية المقيمين على أرضه.
وإذ تشدّد الورقة على التمهيد لعودة آمنة وكريمة للنازحين السوريين مع التزام مبدأ عدم الإعادة القسرية، تؤكّد على "الرفض القاطع والنهائي لتوطين النازحين ومواكبة عمليات إعادة التوطين في الدول الثالثة بالرغم من تحفظاتنا على مبدأ إبعاد أهل سوريا عن بلدهم، إضافةً إلى الحلّ السياسي وتسهيل العودة إلى المناطق المستقرة داخل سوريا، على دفعات ومراحل، والعمل مع الجهات الدولية المعنية لتهيئة ظروف هذه العودة".
والأهمّ أنّ الورقة تتضمّن "ضرورة مُطالبة الدولة السورية بإزالة العقبات تجاه العودة، ودعوة المجتمع الدولي الى الضغط باتجاه إنهاء الحرب في سوريا بما يُسهّل عودة النازحين بكرامة وأمان".
كما حذّرت الأحزاب، ضمن الورقة التي وضعتها، من "خطورة عدم بذل الجهود الجدية للعودة لما لذلك من انعكاسات سلبية على احتمال امتداد أزمة النزوح الى دول غربية وأوروبية عبر الأراضي اللبنانية بسبب عدم قدرة لبنان على تحمّل العبء الديموغرافي وحده"، مسلطةً الضوء على "العمل لإعداد وتنفيذ مخطط انقاذي لاحتياجات لبنان من البنى التحتية في القطاعات والمناطق التي ترزح تحت عبء النزوح السوري، الأمر الذي بدأ في مؤتمر "سيدر".
كما تدعو القطاع الخاص والمجتمع المدني الى "تحمّل المسؤولية الإنسانية والإقتصادية والإجتماعية والوطنية وضمّ الجهود إلى جهود الحكومة ومؤسسات الدولة للمساعدة في التصدي لهذه الأزمة ومساعدة الأطر الرسمية في عودة النازحين"، مُشيرةً إلى "مواكبة مبادرات العودة الدولتية والمبادرة الروسية المسهّلة لعودة النازحين مع تصنيفهم وتحديد جدولة لعودتهم، وصولاً إلى تشكيل هيئة لبنانية عليا بالتنسيق مع وزارة الدولة لشؤون النازحين تُعنى بتكامل الجهود لإدارة الأزمة والعودة".
أمّا على صعيد التدابير، فتُعلن الورقة "الإستمرار في تقديم الإغاثية والتربوية والإستشفائية للنازحين بالتنسيق مع الأمم المتحدة، واستمرار تطبيق معايير دخول السوريين الذي بدأ العمل به في 1/1/2015 والخطوات اللاحقة به وإبقاء المعابر الحدودية مع سوريا مقفلة أمام الدخول الجماعي للنازحين إلى لبنان وحصر الدخول الفردي لهؤلاء بالحالات الإنسانية الإستثنائية".
وتنصّ أيضاً على "الإمتناع عن اعتبار السوريين المتنقلين عبر الحدود بمثابة نازحين، وتصنيفهم كعابرين اقتصاديين". وفي أبرز المواد "تحديد وزارة الداخلية تدابير تتعلق بمعالجة وضع النازحين السوريين الموجودين في لبنان والذين دخلوا خلسةً إليه أو الذي فقدوا أوراقهم الثبوتية، فضلاً عن تفعيل عمل الدبلوماسية اللبنانية من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجامعة الدول العربية ومجموعة الدعم الدوليّة للبنان لمساندته في تحمّل الأعباء، كما اعتماد خطاب سياسي إعلامي تواصلي هادئ يلتزم بمبادئ السياسات العامة ذات الموازنة بين المستويات الإنسانية والسيادية والحقوقية ويبتعد عن الشعبوية والإستنفارات والإستقطابات لتفادي أيّة توترات بين النازحين والمجتمع المضيف".
إشارة إلى أنّ وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب سيتسلّم مهام الوزارة رسمياً اليوم، وهو كان وعد، لموقع mtv، بـ"وضع رؤية واضحة لملف النازحين السوريين".
TWEET YOUR COMMENT