"القبس":
بعد أن تحول العالم كله تقريباً نحو الإغلاق في سياسة للحد من تفشي فيروس كورونا وإبطاء انتشاره ريثما يتم توفير علاج له او لقاح، باتت مدن العالم شبه خالية تسكنها الأشباح، مع تخطي عدد الإصابات المعلنة رسمياً حاجز المليون وربع المليون حالة، وذلك في غضون بضعة أشهر من ظهور الفيروس في الصين. وبات السؤال الأكثر تداولاً هو: متى سينتهي هذا الكابوس وتعود دورة الحياة الى طبيعتها وانتظامها؟ وكيف سيكون عالم ما بعد الوباء المستجد، لا سيما مع الانكماش الاقتصادي الذي ضرب جميع الدول بما فيها مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي لطالما رسمت استراتيجياتها التي مشت عليها دول العالم الثالث الفقيرة التي باتت بالتالي على أبواب المجاعة الكبرى، لا سيما إذ ما تفاقمت الإجراءات الحمائية التي تتخذها الدول المصنعة والمصدرة لمعظم المنتجات الاستهلاكية والغذائية مثل الهند وروسيا وغيرها.
وبالعودة إلى الفيروس الفتاك «كوفيد 19»، فقد بات الهم الشاغل للجميع هو كيفية تسطيح المنحنى وتقليل عدد الاصابات تمهيداً للقضاء نهائياً على الفيروس، مع الإبقاء عند مستوى يتناسب مع قدرة القطاع الصحي للدول كافة، والتريث في اعادة الحياة الى طبيعتها لا سيما عودة المواصلات وحركة الشحن الجوي. وفي هذا الإطار بات جميع سكان الأرض يأملون نجاح سيناريو للنجاة من السيناريوهات المطروحة التي استعرضها موقع «ارقام»، ويقوم أولها على فكرة أن تتمكن كل دول العالم من القضاء على الفيروس في آن واحد، كما حدث مع فيروس «سارس» الذي ظهر في عام 2002 قبل أن يتم القضاء عليه في 2003، او ان يختفي الفيروس خلال الصيف ويسلك مسلك فيروسات الإنفلونزا السابقة ليصيب أغلبية البشر ويكوّن مناعة القطيع بعد أن يتسبب في قتل الملايين من كبار السن او الذين يعانون من امراض. او الانتظار حتى يتمكن العالم من ايجاد لقاح مضاد للفيروس، وهذا سيتطلب قدرة الدول والسكان على النفس الطويل وتحمل الاغلاق لفترة زمنية اكبر قد تطول لبضعة اشهر او ربما سنة. ويبدو انه الخيار الاكثر ترجيحاً حتى اليوم لكنه الاكثر خطورة على المجتمعات والاقتصادات.
وفي انتظار اللقاح فإن العالم بات في سباق بين انتشار الفيروس والقضاء عليه، ويحاول العلماء في الولايات المتحدة و14 بلداً آخر العمل على إنتاج لقاح، وفق ما أعلنته منظمة الصحة العالمية. فمنذ أن نشر علماء صينيون في 12 يناير التسلسل الوراثي للفيروس، سارعت مجموعات عديدة حول العالم إلى إنتاج لقاح استناداً إلى هذه المعلومات حول التسلسل الوراثي، وإذا نجحت الاختبارات، فسوف يستغرق إنتاج اللقاح عاماً واحداً على الأقل. ففي تجارب سابقة، اتحد العالم لمواجهة فيروس الإيبولا الذي انتشر في غربي أفريقيا بين 2013- 2016، ونجحت الجهود الأميركية والدولية في إنتاج لقاح تمكن من مواجهة انتشار جديد للإيبولا في جمهورية الكونغو الديموقراطية عام 2018. اما اليوم فلو تأخر إنتاج لقاح لفيروس كورونا الجديد فلن يفيد ذلك في معالجة المرض في الصين، لكنه سيكون فعالاً للدول الأخرى حول العالم، بحسب موقع «الاندبندنت». والتسابق نحو تطوير لقاح لفيروس كورونا المستجد يقوده ما يسمى «التحالف من أجل الابتكار والتأهب لمكافحة الوباء»، وهي مجموعة دولية تشكلت عام 2017 عقب انتشار وباء الإيبولا. ويستهدف التحالف مساعدة العالم ضد تفشي الأمراض مستقبلاً من دون معرفة نوع هذه الأمراض، كما يعمل على إنتاج لقاحات ضد مسببات الأمراض غير المعروفة في السابق. وفي ظل هذه المعطيات فمن غير المرجح أن تعود الحياة إلى طبيعتها سريعاً، حيث إن رفع القيود الحالية في وقت مبكر من شأنه أن يتسبب في عودة الفيروس للانتشار بسرعة أكبر، ويبقى الرهان هو أن يحاول الكل التكيُّف مع القيود الحالية إلى حين ظهور اللقاح الفعال.
ويعتقد الدكتور أنتوني فوشي، مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، أن العالم لن يعود أبداً إلى «طبيعته» التي كان عليها قبل تفشي وباء كورونا في العالم. فوتشي خلال حديثه في مؤتمر صحافي الإثنين قال إننا «سنعود تدريجياً إلى وضعٍ يمكننا العمل خلاله كمجتمعٍ مرة أخرى، لكن حتى مع توافر اللقاح، فإن الفيروس سيظل تهديداً يلوح في الأفق»، وفقاً لما ذكره موقع قناة فوكس نيوز الأميركية. أشار الطبيب، الذي اعتاد الظهور إلى جانب الرئيس دونالد ترامب في المؤتمرات الصحافية، إلى أنه «عندما نعود إلى ما يشبه الأوضاع الطبيعية، فسنعود إلى النقطة التي يمكننا خلالها أن نعمل فيها بوصفنا مجتمعاً مرة أخرى، لكن إذا كنتم تتحدثون عن العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل انتشار وباء كورونا، فإن ذلك قد لا يحدث أبداً، بمعنى أن الخطر سيظل حاضراً يلوح في الأفق». وكان فوتشي قد قال الأحد الماضي أيضاً إن الناس يتعين عليهم أن يكونوا مستعدين لعودة أخرى للمرض في العام المقبل، وهذا هو السبب في أن المسؤولين المعنيين بمكافحة الوباء يبذلون قصارى جهدهم لإنتاج لقاح وإجراء مزيد من التجارب السريرية لتدخلات علاجية، مضيفاً: «سنعمل على التدخلات العلاجية التي لم تكن متاحة لنا» عندما بدأ هذا الفيروس في الانتشار.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك