كتب عيسى يحيى في "نداء الوطن":
يترنّح الإقفال العام تحت ضربات الجوع والفقر التي يرزح تحتها أبناء مدينة بعلبك والقرى المجاورة. وبين خيار الموت من الجوع أو الموت بفيروس "كورونا"، يفضّل هؤلاء الإنتفاضة على قرار الحكومة المقصّرة بحقّهم والتي لم تؤمّن لهم المساعدات للتقيّد بحال الطوارئ المفروضة عليهم وللبقاء على قيد الحياة. مع دخول الإقفال العام أسبوعه الثاني ومشارفته على الإنتهاء، بدأ التململ من الإقفال التامّ يظهر بين البقاعيين بعدما سجّلوا نسبة إلتزامٍ عالية منذ اليوم الأول، وبدأت تظهر علامات مخالفة الإقفال وامتناع البعض عن التقيّد به. "فالجوع لا يرحم، ومحضر المخالفة الذي قد تحرّره القوى الأمنية يبقى أخفّ كلفةً من المكوث في المنزل على مدى أسابيع وعدم تحقيق أي مردودٍ مادي يقينا شرّ البرد القارس وتأمين ربطة الخبز"، وِفق ما يقول أحد عمّال محلٍ لحدادة السيارات داخل أحد أحياء مدينة بعلبك، ويضيف حسن.غ بـ"أنّ الوضع المعيشي الصعب يفرض علينا مخالفة قرار الإقفال في ظلّ غياب مساعدة الدولة لنا". الحاجة الملحّة للمساعدات الغذائية والمادية لأبناء البقاع تُرجمت زحمة خانقة أمام مبنى بلدية بعلبك ومبنى إتحاد البلديات على طريق الكيال، غير آبهين بالفيروس واحتمال إصابتهم به، مخالفين التباعد الإجتماعي، وذلك للحصول على المساعدات المادية التي يوزّعها الجيش اللبناني على المواطنين ممّن يحملون بطاقة إعاقة صادرة عن وزارة الشؤون الإجتماعية، أو ممّن تقدّموا سابقاً بطلبات عند مخاتير الأحياء، في حين يفتقد الكثير من أبناء المنطقة إلى هذه المساعدات ويحتاجون إليها، ويواجهون مشاكل على موقع وزارة الشؤون الإجتماعية الذي وضعته بتصرّفهم لتسجيل أسمائهم بهدف الحصول على المساعدات.
حال التململ من الوضع المعيشي تنسحب على أصحاب المحال التجارية وسط السوق التجاري في بعلبك، حيث عاد بعضهم إلى معاودة نشاطه، وينتظرون الزبائن أمام المحال، يفتحون لهم ويبيعونهم ثم يقفلون على أمل أن يؤمّنوا حاجات أبنائهم. فالخسائر التي لحقت بهم منذ أكثر من سنة لم تعد همّهم اليوم، بل أصبح جلّ همهم تأمين قوت يومهم. وفي هذا الإطار أشار ه. ر صاحب أحد محال الألبسة في السوق الى "أنّ الوضع المعيشي لم يعد يحتمل، والخسائر التي وقعنا بها لا يمكن تعويضها، وما زاد الطين بلّة هو الإقفال التامّ الذي فرض علينا، ونحن قمنا بمبادرة كأصحاب محال تجارية ووضعنا بتصرّف المواطنين تطبيقاً إلكترونياً يتيح لأبناء المنطقة التسوّق عبره، ولكن الإقبال لم يكن كما يجب، ومن هنا قرّرنا أن ننتفض على القرار لنُطعم أبناءنا، فالدولة لم تدفع أي تعويض عن خسائرنا".
وكان سبق الإنتفاضة على قرار الإقفال إجتماعٌ عقدته جمعية تجّار بعلبك وأصحاب المؤسسات التجارية أمس للتباحث في الحجر والإقفال وتداعياته السلبية على الدورة الإقتصادية من تجّار ومواطنين، وأكّد المجتمعون أنّهم لم يكونوا يوماً ضدّ الإقفال، لكنّ تداعياته السلبية تضعنا بين نارين، نار الموت من الجوع والموت من المرض والحجر، وطالبوا الدولة بالتعويض عن المتضرّرين من عمّال وأصحاب محال تجارية، حيث لم تقم الحكومة بأي مبادرة تجاههم سوى بعض المساعدات من وزارة الشؤون الإجتماعية، ووضع برنامج يسمح للسوق التجاري بالفتح في أوقات محدّدة مع الإلتزام بمعايير السلامة العامة.
وفيما توقّفت أعمال المئات من أبناء المدينة بسبب إقفال المؤسسات والمطاعم، لم يرضَ عباس.م وهو الذي يعمل في أحد المطاعم بأن ينتظر مساعدات الدولة أو يتصدّق أحدٌ عليه، حيث افترش "بسطة" خضار وفاكهة على أحد الأرصفة لتأمين معيشة زوجته وأولاده الثلاثة، وأشار لـ"نداء الوطن" الى أنّ الفقر لا يتعدّى على أحد وإن كان الظرف الإقتصادي الذي نمرّ به سيّئاً جداً، والحصول على الألف ليرة يحتاج إلى شقّ الأنفس ولكنّه يبقى أفضل من أن نكسر أنفسنا لأحد، مضيفاً بأنّ يوميته التي تبلغ في أقصى حالها عشرين ألف ليرة تساعد في سدّ جزء من العجز بإنتظار الإنتهاء من الإقفال.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك