ما أروع تلك الصخرة الجنوبية، تزداد جلالاً كلّما قست نوائب الزمن، مطواعة في وجه العواصف رغم صلابتها، ففي الأرض العاملية ينجبل الدم والماء والكلمات والشعر في التراب نفسه، وإذ بأشجار تشقّ ثمارها عباب السماء، وما أطيبها حين تختمر في فكر علمائها حكمة وتنوّراً وأدباً، تماماً كما في الديفور والزيتون والعنب.
فإلى جبل عامل يذهب الحنين وهو يبكي رحيل العلامة الكبير، الرجل الذي نطق بالحق في الزمن الأصعب، وسالت دواته بأروع ما كُتب في الانتماء والحب والخير والجمال.
في الزمن الأسود هذا، ووسط كل هذا الظلام، غاب العلامة محمد حسن الأمين، هذا العقل المتنوّر والصوت المعتدل، ابن الأرض المقاومة والصادقة الانتماء، اللبناني الذي زادته التجربة تغلغلاً بقيم التسامح والعيش المشترك في هذا الوطن النهائي لجميع أبنائه، الحسيني الذي بكى كثيراً على جراح هذا الوطن العربي الحزين من المحيط الى النهر.
يرحل العلامة الأمين ليشعل الذاكرة بَمن سبقوه، يذكّرنا بالسيد محمد حسين فضل الله والامام محمد مهدي شمس الدين، وكيف لا نستحضر السيد هاني فحص وقد تشاركا أبيات القصيدة كما الهموم الوطنية والقومية في الأيام الصعاب.
قيل الكثير في العلامة الراحل، وسيكتب الكثير أيضاً، وهو الذي سجّل المواقف الشجاعة في محطات كانت تحتاج لصوت من هذه الطينة وهذا الانتماء، وبغيابه تغيب مرجعية ستُفتقد كثيراً في أيامنا هذه، وهو الذي قبل الآخر كما هو واحترم الآخر بقناعاته ومبادئه، فكان مثالا للانفتاح ولرجل الدين حين يتقن بناء الجسور بدلاً من بناء الجدران والأسوار...
فكم كنت جميلاً يا سيّد، وما أجمل ما نشره الشاعر ابراهيم شحرور من شعر العلامة الراحل، الذي قال يوما:
"أراكَ في الريح، في الأمطار، في السُحُبِ
في الشمس غابت عنِ الدنيا... ولم تَغِبِ...
من أنتَ ؟ هل قمرٌ إلّا اشْتهى غرقاً
بِقوس عينيكَ بين السهد والتعبِ
هل نجمةٌ، وردةٌ، إلّا انْتهى دمُها
إليكَ وانْغرسَت في صدركَ الرحِبِ...".
وداعاً يا سيّد...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك