كتب جو متني:
في بهو مقرّ وزارة الصناعة الكائن في بدارو جادّة سامي الصلح، لوحة برونزيّة معلّقة على المدخل ترمز إلى وزير الصناعة الشهيد بيار أمين الجميّل. ملامحه هي هي. الشبه كبير جدّاً. من يمرّ أمامها يقول إنّه هو. لم يتغيّر فيه شيء. كأنّها صورة فوتوغرافيّة التُقطت عام 2006 في يومٍ من أيّام تشرين الثاني. لم يطرق الشَيْب شعره. ابتسامته العفويّة، عيونه المضاءة بالأمل، يعكسان شخصيّة قياديّ شاب طموح مندفع متحلٍّ بروحٍ وطنية سامية، وبأعلى درجات التضحيّة حتى الشهادة لبناء لبنان الشباب، لبنان التغيير، لبنان المستقبل.
انتُخب نائباً عن المتن الشمالي مرّتين. نجمه في حزب الكتائب اللبنانيّة تصاعد بقوّة. ثبّت نفسه في المراكز القياديّة العليا بديناميكيّة كاريزماتيّة. نفَسُه الخطابي، ونبرتُه العاليّة مملوءتان تحدّياً وعنفواناً.
في مرحلة انقسام لبنان السياسي الحاد، وبُعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، عُيِّن بيار أمين الجميّل وزيراً للصناعة في عهد رئيس الجمهوريّة العماد اميل لحود، وفي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في تموز عام 2005.
أحاط نفسه بمستشارين. أبرزهم الصناعي المخضرم الدكتور فادي الجميّل الذي انتُخب لاحقاً رئيساً لجمعيّة الصناعيين اللبنانيين دورتين متتاليتين. بدأت ورشة العمل.
استهلّ الوزير الجميّل نشاطه بتوجيه تطمينات إلى جميع الموظّفين إلى أيّ حزب أو طائفة انتموا. كما لم يُميّز بمركز أو منصب الموظّفين الموالين والمقرّبين من حزبه. وبالروحيّة نفسها استقبل أصحاب المعاملات والمراجعات. سهّل أمور قاصدي الوزارة من دون الاستفسار عن ميولهم السياسية والحزبية، في وقت كانت الأمور مأزومة، والنفوس مشحونة بالطائفيّة والمذهبيّة. تكاوين حركتَي 8 و 14 آذار لاحت في الأفق.
اطلاقه برنامج "صناعة لشباب لبنان 2010" شكّل خطّة خماسيّة وخارطة طريق لدفع القطاع الصناعي إلى طريق التعافي. أهمّية واضعيه باشراف الشيخ بيار، أنهم وسّعوا مروحة المعنيّين وممثّلي القطاعات الانتاجية والتجمّعات الصناعية، ووقفوا على رأيهم، مستطلعين إيّاهم حول المشكلات والحلول، حتى تأتي الخطّة المرسومة على أكبر قدر من الشموليّة.
وعد بتحقيق نقلة نوعيّة في الصناعة الوطنية. وفى بوعده. شعار "بتحبّ لبنان حبّ صناعتو" الذي رافقه حيّاً واستمرّ بعد استشهاده، شعاراً أوّل في الذاكرة اللبنانيّة، شكّل علامة فارقة وبارزة في التسويق للصناعة اللبنانية. وجعلها على كلّ شفة ولسان. كان الشعار يوازي أكبر الحملات الترويجيّة. وانتشر في المناطق اللبنانيّة وصولاً إلى بلاد انتشار اللبنانيين.
بيار الجميّل الديمقراطي، ابتعد عن المظاهر. متواضع. محبّ ومحبوب. كوّن لنفسه حالة شعبية. أحاطه المعجبون بهالة زعماتيّة. بناها على أسس إرث وطني، وتاريخ سياسي، وتضحيات عائليّة.
في اليوم الأخير من حياته، وقبل انطلاقه لتأدية واجب العزاء في كنيسة مار انطونيوس في الجديدة، مرّ على مكتبه في الوزارة. وقّع جدول الرواتب والمكافآت للموظّفين. ترك مغادراً ليلقى حتقه على يد مجرمين دمويّين غدّارين. قتلوا الأمل. انطفأت الشعلة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك