لم يكن صعباً على متابعي وقائع جلسة غرفة الدرجة الأولى لدى «المحكمة الخاصة بلبنان» تلمّس التدخلات غير المهنية للجنة تقصي الحقائق برئاسة المبعوث الدولي بيتر فيتزجيرالد، من خلال إعطائها توجيهات محددة للخبراء الدوليين الذين تم استقدامهم للعمل على مسرح الجريمة، ومن بين هؤلاء خبير المتفجرات السويسري كونراد شلاتر الذي أدلى بإفادته أمس، بصفته شاهداً خبيراً من شهود الإدعاء. وقد اظهرت افادته تناقضا في موقفه حيال طريقة وقوع الانفجار والنتائج المخبرية للعينات التي تم تحليلها بالجامعة الأميركية في بيروت بالمقارنة مع نتائج مختبرات سويسرا.
أكد شلاتر في تقريره الذي رفعه بتاريخ 14 آذار من العام 2005 بأن نوع العمل «كان استثنائياً»، وقد تم تحديد مهل قصيرة للجنة السويسرية، وطلب إليها الإجابة على أربعة أسئلة مباشرة تناولت كيفية حصول الانفجار، فوق سطح الارض أو تحته، ما هي المواد المستعملة، الكميات المستخدمة وطريقة الانفجار.
وأضاف رداً على أسئلة ممثل الإدعاء المحامي الكسندر ملن: «ان التوقيت المثالي للعمل على مسرح الجريمة هو الدقائق الأولى للانفجار».
وفي رده على أسئلة للقاضي دايفيد راي، أوضح الشاهد ان الأسئلة التي ذكرها أساسية، «ولكن لو ترك الأمر لنا ربما أمكننا وضع سلّةٍ أخرى من الأسئلة الهامة، ومنها على سبيل المثال: من كان لديه فرصة ارتكاب هذه الجريمة؟ وهل كان من السهل أو الصعب الوصول بهذه الكمية من المتفجرات إلى موقع الجريمة؟».
واعتبر شلاتر ان الجدول الزمني للمهمة «كان طموحاً»، وأظهر في تقريره ان الوصول إلى قاعدة البيانات كان محدوداً، وان مسرح الجريمة كان قد تغير بشكل كبير لدى وصولهم إليه، مقارنة مع الصور الأصلية. وأشار إلى ان «المسؤولين أظهروا لنا بعض الأدلّة التي تم نزعها من مسرح الجريمة قبل وصولنا، وان بعض هذه الأدلة قد دمرت، فالادلة الصغيرة تتأثر كثيراً بعوامل المناخ كالحرارة والريح والرطوبة، بحيث يتحلل بعضها أو يتلف». وانتقد شلاتر عدم عزل موقع الجريمة وحماية الأدلة، وقال ان «هناك أشخاصاً دخلوا موقع الانفجار بطريقةٍ عبثية»، معتبراً ان «أعمال الترميم وإعادة الإعمار جعلت من عملنا مهمة صعبة، فنحن نعمل على ما تبقى من مسرح الجريمة، فالترميم يعني أدلة ناقصة».
وأوضح ان بعض الأدلة كانت ترسل إلى مختبرات الجامعة الأميركية للتحليل الكيميائي.
ورداً على سؤال للقاضي وليد العاكوم بشأن الإجراءات التي كان يمكن ان يتخذها لو كان مسؤولاً عن مسرح الجريمة، أجاب الشاهد: «أحرص على توثيق الأدلة بمكان وجودها وعدم إخلاء السيارات قبل إتمام عمليات الفحص والكشف والتصوير، على ان تنقل السيارات بعد رفع الأدلة الجنائية. فالطريقة التي نقلت فيها الآليات تسببت بتدمير الكثير من الادلة الدقيقة وزادت من الأضرار اللاحقة بالسيارات ذاتها».
وحاول الإدعاء في فترة بعد الظهر تثبيت نظريته المتعلقة بكيفية وقوع الانفجار، فأبرز قطعة معدنية كان قد انتشلها الخبير السويسري من قعر البحر وقد ظهرت عليها علامة الميتسوبيتشي، غير ان العديد من التناقضات برزت خلال الأجوبة التي ادلى بها شلاتر وتناولت ثلاث مسائل هامة: فالشاهد كشف ان كل عينة من العينات التي تم انتشالها قسمت الى ثلاثة أجزاء (أ، ب، ج) على ان يتم فحص هذه الأجزاء الثلاثة بمختبرات مختلفة، فالعينة (أ) تحلل في الجامعة الأميركية وكذلك العينة (ب) فيما العينة (ج) في سويسرا. وقد أظهرت فحوص العينات في الأميركية تناقضا تاما مع نتائج فحوص سويسرا، اذ ان الأخيرة لم تشر الى وجود ترسبات لمادةT N T كما بان في نتائج العينة (أ). واللافت في إفادة شلاتر اشارته الى انه حاول ان يأخذ العينة (باء) الى مختبرات الأميركية «لكن الظروف الأمنية لم تسمح وطلب الينا مغادرة المكان». واللافت ايضا قوله ان العينة (ج) تم نقلها الى سويسرا ليتم فحصها بناء لطلب بهذا الخصوص، وعندما لم يأت الطلب تم تحليلها من باب الاحتياط، ليتبين التناقض الحاصل.
اما التناقض الثاني فقد برز خلال رد الشاهد على اسئلة للقاضية ميشلين بريدي وسؤالها عما اذا كانت اللجنة قد اكتفت بهذه الفحوص، فأجاب الشاهد انه لا يعرف كيف وصلت مادة الـTNT الى العينات المصنفة (أ). وعن العبارة التي ختم بها تقرير اللجنة وفيها «ان هذه النتائج مؤقتة وغير مؤكدة»، اوضح شلاتر انه دون ذلك «لأننا لم نتمكن من مقارنة النتائج بصورة علمية لضيق المهلة الممنوحة لنا من قبل لجنة تقصي الحقائق».
اما التناقض الثالث فظهر خلال اجوبة الشاهد على اسئلة القاضي نيكولا لتييري الذي سأل الشاهد عن التناقض في إفادته بشأن وجود قطع من الحجم الكبير للمركبة المنفجرة في حال كان الانفجار فوق سطح الأرض، وهذا لم يحصل. وقد ردّ الشاهد ذلك الى طريقة وجود المتفجرات داخل المركبة، وفي معرض تحليله للمعطيات، اعتبر شلاتر ان «حجم الأضرار المحيطة دفعنا الى الاعتقاد ان الانفجار حصل فوق سطح الأرض، لكننا كلما اقتربنا الى وسط الحفرة نرى ان الاحتمالين ممكنين، وقد طلبنا من خبير الأسلحة البالستية رأيه فأعد تقريرا لم يحسم به الأمر». واعرب عن اعتقاده الشخصي بأن الانفجار وقع فوق سطح الأرض، لكنهم لم يدونوا ذلك بالتقرير النهائي». عندها سألته بريدي عن نسبة المفاضلة بين الاحتمالين، فأجاب «لو تمكنا من القيام بتحقيقات إضافية لكنا توصلنا الى نتائج اكثر جدية واكثر دقة». وردا على سؤال للقاضي العاكوم تناول «تأثير الانفجار على اساسات فندق السان جورج لو كان وقع تحت الأرض»، أجاب الشاهد: «لست مهندسا معماريا، لكن من المؤكد انه لو كان قد وقع تحت الأرض لكان احدث حفرة أكبر».
هذا وتستأنف الغرفة جلساتها صباح اليوم باستجواب مضاد تقوم به فرق الدفاع للشاهد السويسري.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك