لبنان بلا رئيس للشهر الثامن. اكتفينا من تعداد الأيّام وانتقلنا الى عدّ الأشهر. يبشّرنا أشدّ المتفائلين من السياسيّين بأنّ الربيع المقبل سيشهد انتخاب رئيس. لمزيد من المعلومات، يبدأ فصل الربيع بعد ثلاثة أشهر، في 21 آذار، وينتهي في 21 حزيران.
لبنان بلا رئيس ونحن ننتظر زيارة لاريجاني الى لبنان اليوم ونترقّب نتائج جولة جيرو، ويخبرنا المحلّلون عن موقف الرياض، وهناك منهم من يفاجئنا بمضمون حوار بين أوباما وبوتين بحث في الرئاسة اللبنانيّة.
ألم يقم من بين اللبنانيّين من ثار في العام 2005 ليطرد المحتلّ أو الوصي سعياً الى حريّة وبحثاً عن سيادة وحلماً باستقلال؟
ألم يُقل لنا إنّنا حصلنا على الاستقلال الثاني واحتفلنا بالجلاء، وسقط من بيننا شهداء ولم يعد ضابط الاستخبارات يضع أنفه في تعيين حاجب في وزارة ويضع قبضته على انتخاب الرئيس؟
فالى أيّ حالٍ وصلنا اليوم؟
لا يملك أحدنا الحريّة في التنقل في الكثير من المناطق اللبنانيّة. هذه منطقة تخضع لسيطرة السلفيّين، وتلك باتت أشبه بقندهار، والمربع الأمني في الضاحية الجنوبيّة تحوّل الى مربعات في أكثر من منطقة تنظّم فيها سرايا المقاومة كلّ شيء، من حركة السير الى العلاقات الزوجيّة.
أما السيادة فباتت كـ "الممسحة"، وبعض الحدود "فالت" ويتنقّل المسلحون دخولاً وخروجاً كما يشاؤون، بينما الطائرات السوريّة تحلّق فوق أراضينا، وتقصف ما تريد ثمّ تعود أدراجها. من دون أن ننسى الطيران الإسرائيلي الذي بات خبر تحليقه بالكاد يُذكر في وسائل الإعلام أو يستأهل بياناً من مسؤول ما. ودّعنا عشرات آلاف العسكريّين السوريّين لنستقبل مليوناً ونصف مليون من السوريّين بعضهم مسلّح، وتلك مصيبة وبعضهم جائع، ولعلّها مصيبة أكبر...
وربما ما يحصل في موضوع الاستحقاق الرئاسي وما حصل قبله في شأن تأليف الحكومة أسطع دليل على أنّنا فقدنا الحدّ الأدنى من الاستقلال. أيّ استقلال وبعض السياسيّين مرتهن للسعوديّة وبعضهم الآخر لإيران، والبعض الثالث يراقب حركة الدبلوماسيّين علّها تحمله الى القصر البارد ولو على جثّة ما تبقّى من استقلال وما لم يُنتهك من كرامة...
لا رئيس في لبنان، إلا أنّنا بتنا نأكل طعاماً مطابقاً للمواصفات وأسعار المحروقات انخفضت ولدينا زينة أعياد جميلة وتطلّ علينا ليلى عبد اللطيف شهريّاً لتسيّر لنا أمورنا الحياتيّة، ويمكن لمن يرغب من بيننا أن يشرب النبيذ في إطار حرب جبران باسيل على "داعش"، وبعضنا يسأل "وين سهران على راس السنة" أكثر ممّا يسأل عن موعد انتخاب الرئيس بكثير...
ولا خوف على لبنان ما دام سعد الحريري ساهراً على راحتنا بين الرياض وباريس، وما دام ميشال عون وسمير جعجع اتفقا، بعد أكثر من ربع قرن من الصراع الدموي، على إمكانيّة أن يجلسا معاً، ولا خوف ما دام نبيه بري يحرس ديمقراطيّتنا ومعه حارس قادر على تحطيم العصا بقبضته، وما دام وليد جنبلاط يغرّد عن ضرورة تشريع الحشيشة والى جانبه أشهر كلاب هذه الجمهوريّة اللبنانيّة.
لعلّ ما ينقصنا في هذه "العصفوريّة" أن ينظّم متعهدٌ ما حفل رأس السنة في القصر الجمهوري، فالمكان فارغٌ وفسيح وما ارتكبه بعض السياسيّين بحقّ القصر لن يكون أفضل ممّا سيرتكبه بعض الساهرين. وربما يصلح لأن يحيي السهرة الفنان ملحم بركات فينشد "تعا ننسى"...
ورحم الله من قال إنّ "شرّ البليّة ما يضحك".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك