يتصرف الجميع في الداخل على أساس أن التسوية الرئاسية مؤجلة أقله حتى آذار المقبل، الموعد الجديد للتفاهم النووي السياسي الأولي، إلا إذا نجح المتضررون منه بتعطيل مساره وصولا إلى تطيير موعد التسوية النووية الشاملة المرتقبة بحلول الأول من تموز 2015، في نسخة مكررة لـ "فعلة" تشرين الثاني الماضي.
حتى أن الحماسة الفرنسية التي تم التعبير عنها بسلسلة رحلات مكوكية بين باريس وطهران والرياض وبيروت وروما، لم تتضاءل وحسب، بل إن الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو، تبلغ من الإيرانيين رفضهم القاطع أية محاولة ضغط منهم على حلفائهم في لبنان للمشاركة في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، وهم تمسكوا بمقولتهم حول أهمية توافق المسيحيين على من يختارونه رئيسا للجمهورية، وأن يكون اللقاء بين ميشال عون وسعد الحريري ممرا إلزاميا لأي تفاهم في هذا الاتجاه أو ذاك.
واللافت للانتباه هو تردد جيرو في زيارة بيروت مرة جديدة، لإبلاغ المسؤولين اللبنانيين نتائج جولته المكوكية الأخيرة التي جعلته يكوّن انطباعا مفاده أن الأمور تعود إلى الوراء، وأن الملف الرئاسي اللبناني صار مرتبطا ارتباطا وثيقا بالملف السوري، الأمر الذي يعني أن لا رئيس جمهورية للبنان إذا لم توضع سوريا على سكة التسوية السياسية.
وبين موعد آذار النووي الإيراني، وموعد التسوية السورية التي ربما تحتاج إلى سنوات، تتعامل القوى السياسية اللبنانية بواقعية شديدة، على قاعدة حصر الأضرار، ومحاولة مراكمة عناصر تساعد كل فريق في امتلاك أوراق إضافية في انتظار أوان التسويات الإقليمية واللبنانية، تماما كما يفعل معظم اللاعبين الإقليميين.
شكّل قرار "حزب الله" بالتجاوب مع دعوة "المستقبل" للحوار بدفع سياسي من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، حافزا لكل من "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" من أجل استنساخ التجربة الحوارية، ما دام لكل طرف منهما حساباته و"أرباحه" ويريد أن يكسب الوقت على طريقته، ولكن بفارق جوهري، أن حوار "حزب الله" ـ "المستقبل" ارتد ايجابيا، ليس على جمهورهما وحسب، بل على مجمل الوضع العام، بينما لا يكاد أحد يلحظ تأثيرا مباشرا للحوار القائم بين الرابية ومعراب بحدوده الراهنة.
يدرك "حزب الله" أن الرئيس سعد الحريري لا بد أن يعود يوما ما إلى بلده وجمهوره وأن طموحه بترؤس حكومة ما بعد الانتخابات الرئاسية هو "طموح مشروع".. ولذلك، لن يكون بمقدوره أن يبدأ من الصفر، ولن يكون بمقدوره أن يحكم إذا استمر بالقطيعة مع مكوّن لبناني أساسي، ومن هنا، كان الإصرار على الحوار، برغم إدراكه وكل فريقه، بما فيه المشارك في حوارات عين التينة، أن الفريق الآخر "غير جاهز لتقديم تنازلات جدية وحقيقية حتى الآن، ولكن برغم ذلك سنمضي بالحوار وبنفس إيجابي وبلغة لا تحتمل استفزاز الفريق الآخر نهائيا".
وإذا كانت الرغبة "المستقبلية" بتسوية رئاسيّة مرتبطة تلقائيّاً بالعودة الحريرية إلى السرايا الكبيرة، فإنّ "تقريشها" لا بد أن يأخذ في الاعتبار معطيات إقليمية، أبرزها أن لبنان في هذه اللحظة، برغم الالتزام بقرار فك الاشتباك سياسيا في فالقه السني ـــ الشيعي، ليس معزولاً عن حسابات المنطقة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك