نهضت ج. ك. باكراً لأنها تُدرك أن القيادة من حيث تقيم إلى سراي بعبدا ستستغرق نحو ساعتين "بفضل" زحمة السير الأبديّة...
جمعت كل الأوراق والمستندات وتوجهت إلى "المقصد" آملة في أن تتخلص من عبء مخالفة السرعة التي اكتشفت وجودها عبر الإنترنت بالصدفة قبل أن يستحق موعد دفع رسوم الميكانيك.
ذهبت بالفعل ذات يوم سبت، وعندما عثرت على المكان المطلوب في غياب تلك الدوائر الرسميّة، قيل لها يجب أن تأتي الإثنين أو الأربعاء أو الجمعة، لكي تعترض وتتخلّص من الغرامة التي قد تكون باهظة.
رضخت ونفّذت، وعادت في يوم من الأيام المذكورة، فكانت المفاجأة رتلاً من المخالفين ينتظرون أمام شباك خلفه موظفة واحدة!
أدركت حينها أن نهارها سيضيع هناك، وسط الفوضى والارتباك وأحاديث الناس واعتراضاتهم التي تُطلق بأصوات تصمّ الآذان...
قبل أن تستوي في الطابور، وُفّقت في سؤال موظف آخر خلف شباك لا زحمة أمامه عن إمكان الدفع بلا اعتراض ومثول أمام القاضي، فكان الجواب "عليك الانتظار هناك لكي يُستخرج محضر مخالفتك ثم تأتي إلى هنا...".
وقفت، وانتظرت، وكانت غالبيّة المعاملات تستغرق وقتا طويلا لأن معظم المواطنين تنقصهم ورقة من هنا ووثيقة من هناك... ولا لوم عليهم، فلائحة المستندات المطلوبة ملصقة فوق شباك المعاملات، تماماً كما توضع كثير من لافتات طرقنا بعد المفترق الذي يفترض أن ندخل فيه!
وصل دورها أخيراً. قدّمت المطلوب فنهضت الموظّفة من مقعدها وفتحت دُرجاً، ويدويّاً عثرت على ملفه!
نعم لا مكننة بعد هنا، فالمخالفات موضّبة في أدراج!
الآن حان موعد الانتظار الثاني للعودة إلى شباك الموظف الأول، ربما للدفع؟
لا. بعد ساعة أخرى مريرة، وقوفاً لأنّ المقعد الخشبي هو بمثابة جهاز تعذيب للجالسين عليه، وصلت إلى الشباك...
"عليك 200 ألف ليرة. تدفعين أم تعترضين؟ وأنبهك إلى أن القاضي سيتوقف بعد قليل عن استقبال الناس، بما يحتم عليك العودة في يوم آخر".
"لا! أدفع وحبّة مسك، تفضّل".
"لا ليس هنا".
"أين؟".
يطول الجواب بلا سبب.
"يا أختي هناك في آخر الرواق، ادفعي وعودي إلى هنا بعد تصوير كل هذه المستندات ولصق طوابع عليها".
في آخر الرواق يتبيّن لك أنك تسدد على دفعتين وفي مكانين... ويأتيك سمسار التصوير والطوابع الخبير والمتربّص... "مدام أنا أصوّر لك وألصق الطوابع. تكرمي".
تُكرَم وتُكرِم... وتدفع وتعود إلى الموظف الصامت الذي يأخذ الأوراق، يختمها. ويصمت...
"هل يمكنني الذهاب؟ هل انتهى الأمر؟".
يصرفها بإشارة من يده، ويعود إلى التحديق تارة عبر النافذة وتارة إلى زميلة حسناء جالسة بقربه... فتشكره وتشكر ربّها على الخلاص من هذه الجلجلة. تلملم أوراقها وترحل...
ترحل مقتنعة بأنّ انضمام دولتنا إلى العصر غير ممكن، أقلّه في المستقبل القريب!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك