وكأنّه "كُتِبَ" للبنانيين والسوريين أن يظلّوا في صراع مستمرّ "كلما دق الكوز بالجرّة". وكأنه "كُتِبَ" لهم أن يُنَعتوا بـ "الأشقّاء" والبعض منهم بعيدون عن هذا التوصيف ولا يكفّون عن معايرة بعضهم البعض كلّما اشتعل الوضع السياسيّ والأمنيّ بين بعض الأطراف اللبنانية والسورية.
لا ينطبق هذا الواقع على جميع اللبنانيين والسوريين. فالبعض منهم، راسخٌ مبدأُ "الأشقّاء" ليس في ذهنه فحسب بل في أسلوب تفكيره ونمط حياته أيضاً. إلا أنّ ما حصل في الأيام الأخيرة من تراشق في الكلام وتبادل اتّهامات وكلام عنيف بين الشعبين وخصوصاً فنّانِيه، أشبه بماضٍ أليم يأبى أن ينتهي بينهما.
ولكنْ، دعونا ننظر إلى الكوب بجزئه الملآن الذي لا يخلو من أفكار إيجابية ومواقف جميلة طبعت علاقة اللبنانيين بالسوريين. بين كلّ هذا الغبار اللبناني – السوري الذي يظهر من جديد بين الحين والآخر، ثمّة شمعة محبّة أشعلها الشعبان منذ سنوات طويلة ولعلّ نورها كافياً، ورغم أنها واحدة، ليُبقي المحبّة شابّةً بين كلٍّ من اللبنانيين والسوريين.
لعلّ أجمل ما حصل ولا يزال يحصل بين لبنان وسوريا هو الودّ الفنّي. ودّ فنيّ موسيقيّ وغنائي وتمثيليّ لطالما ميّز علاقة البلدين التي أخذت تصبح حميمة منذ سنوات طويلة جدّاً بفضل فنّانين وممثّلين لبنانيّين وسوريّين زرعوا محبّة الناس لهم في لبنان وسوريا على حدّ سواء.
فكم من فنّان لبنانيّ محبّة السوريين له وولعهم به تفوّقا على محبّة أبناء بلده والعكس صحيح؟ فيروز التي "يقدّسها" السوريون، لم تغب روحها عنهم يوماً. هي التي أحيت أشهر الحفلات في سوريا وقدّمت مسرحيّات في مهرجاناتها وخصوصاً في عاصمتها دمشق ضمن "معرض دمشق الدولي". وفيروز التي عشقها السوريون عشقَ وطنٍ حين غنّت "أحبّ دمشق هوايا الأرقا أحبّ جوار بلادي..." وغيرها من الأغنيات.
وزياد الرحباني الذي حفظ السوريون أغنياته ونغماته ومسرحياته ربّما أكثر من اللبنانيين. هو الذي لطالما عبّر عن حبّه لدمشق. أحيا زياد حفلته الموسيقية الأخيرة في دمشق عام 2008 خاتماً إيّاها بهذه الكلمات: "صادف إنّو دمشق السنة هيّي عاصمة ثقافية، بسّ هيّي دايماً عاصمة أساسية".
وكم من فنّان سوري انطلق مشواره الفني من لبنان وحقق انتشاراً فيه وأحبّه اللبنانيون ربّما أكثر مما أحبّوه في سوريا. ومنهم الفنانين الياس كرم، شادي جميل، جورج وسّوف، رويدا عطية، ناصيف زيتون، فهد بلاّن ومحمد خيري الحلبي الذي ينقل دائماً بصوته الفنّ العربي الأصيل والذي بنى من جديد حلب المدمَّرة في أحياءٍ لبنانية كثيرة بالقدود الحلبية. أمّا الموسيقار الراحل ملحم بركات فلم ينسَ يوماً فضل "الشام" عليه حين كان يحيي عشرات الحفلات فيها والتي كان يقرّ دائماً بأنها كانت الأجمل.
وماذا لو تحدّثنا أيضاً عن محبّة اللبنانيين وتقديرهم الكبير للممثلين السوريين والعكس صحيح، مثل الممثلين القديرين دريد لحّام ومنى واصف والراحل خالد تاجا وغيرهم. وخير دليل هو مسلسل "الهيبة" الذي تفاعل فيه عدد كبير من اللبنانيين مع الممثلين السوريين أكثر من زملائهم اللبنانيين، مثل القديرة منى واصف والنجم تيم حسن.
يبقى أنّ حفاظ اللبنانيين والسوريين معاً على شمعة المحبّة الفنية هذه هو أكثر من واجب، بل ضرورة ملحّة لكي لا تذوب وسط التراشق العنيف وشبه اليوميّ لسياسيين لا يرون إلا العتمة في قلب النور...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك