كتب هادي جان بو شعيا:
لعل تأثيرات الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تختفي في الفضاء الرقمي، ولكن هل ستختفي معه موجة "الترامبية" التي اكتسحت الولايات المتحدة الأميركية والعالم، وخصوصًا على الضفة الأخرى من الأطلسي عبر الحركات اليمينية الشعبوية وتلك المتطرفة، التي تعتبر ربما ترامب الأب الروحي لها، وتصرّ على إكمال مسيرته وأيضًا حربه ولعلّ "كيو آنون" “QAnon” هي المثال الصارخ على ذلك؟
"الشامان" أو الكاهن أو ذئب "يلوستون" كلّها أسماء تقود إلى شخصية واحدة برزت أكثر بعد اقتحام أنصار ترامب مبنى الكابيتول... إنه جيك أنجيلي الذي يقود حركة ما تعرف بـ”كيو آنون “QAnon والتي باتت أقرب إلى ديانة كما يصفها البعض وشعارها الأبرز: حيثما نذهب مجتمعين نذهب بكامل زخمنا WHERE WE GO ONE WE GO ALL.
استندت هذه الحركة على نظرية المؤامرة وبدأت بالظهور فعليًّا في2017، وتتمحور حول إيمان أتباعها أن دونالد ترامب يحارب دولة عميقة يقودها عبدة شياطين ومتحرّشين بالأطفال. كما يؤمنون بأن التغيّر المناخي كذبة وشبكة الجيل الخامس G5 وكورونا مؤامرة واقتراب فناء العالم قد حان. كما وجدت هذه الحركة طريقها إلى أوروبا. ففي ألمانيا وحدها يبلغ عدد متابعي القناة الناطقة بالألمانية على تيليغرام 158 ألف متابع. ميدانيًّا، برز حضورهم في المظاهرات المناهضة لإجراءات الوقاية من كورونا التي شهدتها مدنٌ ألمانية عدّة. تتّخذ أيديولوجية هذه الحركة منحنًى أكثر تطرّفًا في ألمانيا. فبعض أتباعها يؤمنون بضرورة تطهير ألمانيا بقوة السلاح من الدولة العميقة.
ولعل اقتحام مبنى الكابيتول الذي بات يشكّل مثالاً للخطر على الديمقراطيات الغربية سبقه بأشهر محاولة محتجّين على سياسة مواجهة كورونا في ألمانيا اقتحام مبنى البرلمان وكان بينهم الكثير من اتباع "كيو آنون" QAnon.
والسؤال هنا: هل أصبحت "الترامبية" ديانة؟
صحيح أن الدينامية السياسية في الولايات المتحدة تختلف عن تلك في أوروبا، خصوصًا عندما نتحدث عن الحركات اليمينية المتطرفة والشعبوية. لكن، رغم كل ذلك، يأتي اقتحام مبنى الكابيتول ليثير مخاوف عدّة في أوروبا.
واذا ما أجرينا قراءة موضوعية علمية يتبيّن انه حينما يتمّ اقتحام البرلمانات من قبل أجزاء من الشعب، فهذه المشاهد تعود بنا إلى الثورات والحروب الأهلية التي غابت عن أوروبا منذ عقود طويلة من الزمن، لكن ما شهدناه في أميركا التي تعتبر مهد الديمقراطيات العريقة يشي بقلاقل تعتري الأنظمة السياسية الأوروبية غير المستقرة.
هل أصبحت "الترامبية" بالفعل حركة عالمية، إنضوت تحت لوائها الحركات اليمينية المتطرفة، وباتت مفهومًا أوسع وأشمل؟ وهل ستتوسع دائرتها برحيل ترامب عن المشهد السياسي؟
لطالما سعى ترامب الى شحن هذه القوميات المتعددة بذاك الرونق "الترامبي" الذي أتى إلى واشنطن ليثير حالاً من التمرّد على المؤسسة السياسية، معاديًا النخبة وليعمل على تبسيط خطاباتهإلى حدودها الشعبوية، بحيث أصبح قاطرة اليمينيين والقوميين في العالم. وباتت "الترامبية" مشروعًا حيث خرج ستيفين بانون في 2018 من البيت الأبيض وراح يجول في مدن أوروبية منها بروكسيل وروما لجعله رسول "الترامبية" بغية تصديرها الى أوروبا وإلى سائر دول العالم.
لكن بروز نجم ترامب بوتيرة سريعة دفعه لارتكاب الأخطاء الإستراتيجية عديدة نتيجة الغرور، ناهيك عن غياب النظرية الفكرية، وشكّت احداث الكابيتول انقلابًا ناعمًا على المؤسسة السياسية التي قيّدته ووضعت حدًّا ربما لتنامي مشروعه. إلا أن بقدر ما انقلب يوم الأربعاء الأسود إلى مذبحة ومحاكمة أخلاقية تبرأ الجمهوريون وعلى رأسهم لينسدي غراهام وميتش ماكونيل من هذه "الترامبية" التي ستبقى على هامش اليمين وليس قوّته.
وقد سارع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس لاطلاق تصريحات حول خطة مارشال للديمقراطية بين واشنطن وأوروبا، لحماية ضفتي الأطلسي من اليمين المتطرّف الذي أُحبط بُعيد خسارة ترامب للانتخابات. لذلك سنشهد ربما نوعًا من الترنّح والعدوانية لأنهم لن يقبلوا بالتراجع الآن بعد عزم أميركا على طيّ صفحة ترامب.
في الختام، تبدو حاجة الشارعين الأميركي والأوروبي إلى خطة مارشال القيّمة، ملحّة لجهة إطلاق الحوار المسؤول بين القوميين واليمينيين من جهة، واليساريين من جهة أخرى، للتعبير عن خشيتهم وتحرير الفكر السياسي وسحب فتيل النزاعات والصراعات القائمة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك