كتب عامر جلول:
في ظل التدهور الذي يتعرض له لبنان على المستوى الاقتصادي والنقدي والسياسي، إلا أن هذا التدهور لم يقف عند هذه الحدود لا بل وصل إلى أن الكيان البنيوي للدولة أصبح آيلاً للسقوط بعد أن صمد مئة عام.
تكمن الخطورة اليوم في الخطابات التي تدور في الكيانات الاجتماعيّة التي تعيش في لبنان والتي تنعكس سياسياً وأمنياً. عندما قامت ثورة 17 تشرين حاول الناس أن يكسروا الحدود الفكرية والمناطقية والمذهبية المترسخة في عقولهم ولكن المحاولة فشلت وكان ذلك جلياً في حادثة بشري والتي أعادت إنتاج الخطاب العنصري الذي يحمل في طياته الطائفية، وهذا الخطاب شبيه بخطاب ما قبل الحرب 1975.
قبل الحرب الأهلية في 1975 كان هناك نوع من "الديالكيتك" عن أصل لبنان يدور في الأروقة السياسة، فاليمين المسيحي يؤكد إنحدار اللبنانيين من الأصول الفينيقية ويرفض اللكنة العربية وأما اليسار فيقولون أنهم عرب ويتمسكون بالعروبة. طبعاً فإن ذلك الخطاب الخشبي إستفاق اليوم من جديد مصطحباً معه النظرية الفدرالية والتي في ظاهرها إداري ولكن في باطنها تقسيم طائفي نظراً للإنقسام الإجتماعي الحاصل.
ولكن أيضاً هناك حادثة أخرى أكدت هذا الخطاب الخطير والتي اكدت أن مطلب الدولة المدنية التي تطالب بها المجموعات الثورية وكل القوى السياسية الموجودة في السلطة هي أكذوبة غير قابلة للتطبيق حالياً وهي شعارات فضفاضة، والمبادرة التي يطرحها نقيب المحامين ملحم خلف، بعيداً عن رأيي الشخصي، أدت إلى تشنج في الشارع المسيحي وهو معارضٌ لها لعدة أسباب منها قانون الإنتخابات النيابية.
ولكن فإن هذا الخطاب هو خطاب عنصري وطائفي لأغراض سياسية يقوم بممارسته التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بهدف التنافس من أجل السيطرة على الشارع المسيحي في الإنتخابات النيابية المقبلة. فقد مارس الرئيس ميشال عون مقولته الشهيرة "حقوق المسيحيين" ومن خلال هذا الشعار فاز بالأكثرية المسيحية. زرعوا في عقول المسيحيين أن وجودهم الحضاري مُعرض ومهدد للتهجير، ولكن إذا نظرنا إلى أرض الواقع والحقيقة نرى أن عملية التهجير هي عملية ممنهجة على الطائفة السنية بدأت في العراق ثم في سوريا واليمن. أما الوجود المسيحي في لبنان فهو أساسي ولم يتعرض يوماً للخطر ابتداءً من الفتوحات الإسلامية مروراً بكل الدول التي كانت رسخت وجودهم والاستفادة من علومهم ولغتهم والتعاون الحضاري الذي ساهم في انتشار الحضارة العربية والإسلامية.
اليوم، في ظل هذا الإنقسام الحاد عامودياً وأفقياً، فلابد للمسيحيين والمسلمين أن يقرأوا ويتعلموا من التاريخ فقط ويعيشوا الجغرافيا. دخلت أوروبا حروباً قضى فيها 100 مليون إنسان في الحرب العالمية الأولى والثانية، ولكنهم اليوم يعيشون مع بعضهم البعض. أما نحن فعلينا أن نستفيد من التجارب التاريخية، فالعيش مع بعضنا البعض هو أزلي وحتمي. فإما أن نعيش مع بعضنا البعض من دون إلغاء لبعضنا البعض، وإما أن نعيش في حربٍ لا تنتهي فالخيار خيارنا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك