اكد بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي ان ما نراه في العالم من صعوبات ومشاكل في العلاقات ومن صراعات ناجم عن أنّنا منغلقون على مصالحنا الخاصّة، على أفكارنا الشخصيّة.
وقال في كلمة القاها بمناسبة عيد الميلاد:
احتفل المسيحيّون اليوم بميلاد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح بحسب الجسد، ذلك الميلادِ الذي كان تنبّأ عنه النبيّ أشعيا قائلاً: "اليوم وُلِد لنا وَلد وأُعطي لنا ابن" اليوم يستذكر المسيحيّون ويعيشون ذلك الحدث التاريخيّ، ذلك السرّ الإلهيّ الذي يفوق كلّ إدراك بشريّ، حيث تجسَّد ابن الله في أحشاء مريم البتول بقوّة الروح القدس فَوَلدت يسوع المسيح الإله والإنسان معًا، مخلّص البشريّة من الخطيئة.
أدعوكم ، أيّها الأحبّاء، إلى أن نتأمّل في ما فعل الرعاة إزاء هذه البشرى التي سمعوها من الملائكة، أدعوكم إلى أن نتماهى بهم وأن نفعل ما فعلوا لأنّ الإنجيل في سرده لما شعروا به وعملوه يرينا طريقةً، نهجًا نسلكه نحن أيضًا فلا يكونُ الميلاد مجرّد استذكار.
ذلك يعني أن لا نكون عائشين في عالم منغلق، في عالم لا يعرف التواصل مع الآخرين، في عالم مكتفٍ بمصالحه ولذّاته وراحته دون سواه، في عالم نعيش فيه مع ذواتنا، من دون الله ومن دون إخوتنا البشر. ما نراه في العالم من صعوبات ومشاكل في العلاقات ومن صراعات ناجم عن أنّنا منغلقون على مصالحنا الخاصّة، على أفكارنا الشخصيّة. هذه هي الأنانيّة، أكانت على مستوى الأفراد أم على مستوى الجماعات، أم حتّى على مستوى الدول التي بتنا نرى البعض منها يدوس كلّ المواثيق والشرائع والقوانين ولا يقيم وزنًا لغيره من الدول بل حتّى لا يعتبره موجودًا. هذه هي الأنانيّة تأسرنا بمصالحنا وبرغباتنا وبميولنا وتمنعنا من التواصل بعضُنا مع بعض وتجعلنا نعتقد أنّنا نحن وحدنا نملك الحقيقة.
الكنيسة في صلوات العيد تصف الرعاة بأنّهم الذين يندهشون ويتعجّبون من سرّ ميلاد السيّد المسيح. المرء الذي يعيش لذاته وفي ذاته منكمشًا منقبضًا لا يعرف الدهشة لأنّه لا يرى إلاّ ذاته في رتابة قاتلة لكلّ تذوّق للجديد والجميل وبالتالي في رتابة حزينة. لا يتعجّب لأنّه لا يرى ولا يعترف أنّ هناك أناسًا غيره من حوله لهم قيمة.
لكنّ المفارقة في هذا الحضور أنّه، على خلاف ما كان يتوقّعه أو يريده الشعب اليهوديّ بل ربّما كثير من ناس اليومِ أيضًا، حضور متواضع وليس "بطنّة ورنّة"، حضورٌ مسالم لا محارب، حضور بالفقر لا بالغنى، حضور وديع لا متسلّط، حضور نستطيع أن نَدو منه وأن نلمسه وليس حضورًا من خلف أسوار وحواجز. هذه هي العلامة التي رآها الرعاة والتي آمنوا بها ووضعوا فيها رجاءهم وأخذوا يمجّدون الله ويسبّحونه عليها. وقد عبّر عنها قداسة البابا فرنسيس في رسالته الأخيرة بمناسبة يوم السلام العالميّ للعام 2020 بقوله: "إنّ الكتاب المقدّس، ولا سيّما من خلال كلام الأنبياء (وهنا بالأخصّ من خلال ميلاد السيّد المسيح)، يذكّر الضمائر والشعوب بعهد الله مع البشريّة، وهو أن نتخلّى عن الرغبة في السيطرة على الآخرين وأن نتعلّم أن ننظر بعضنا إلى بعض كأشخاص وكأبناء لله وكإخوة. يجب أن لا نُغلق على الآخر في ما يكون قد قاله أو فعله، بل يجب أن نعامله بحسب الوعد الذي يحمله في داخله. اختيار طريق الاحترام يمكّننا وحده من كسر دوّامة الانتقام ومن الشروع في مسيرة الرجاء... ثقافة اللقاء بين الإخوة والأخوات لا صلة لها بثقافة التهديد. ثقافة اللقاء تجعل من كلّ لقاء فرصة وعطيّة لمحبّة الله السخيّة وتقودنا إلى تجاوز حدود آفاقنا الضيّقة وإلى أن نتوق دومًا إلى عيش أخوّة عالميّة كأبناء للآب السماويّ الأوحد".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك