عقدت المعارضة السورية على مدار نحو عام ونصف عشرات المؤتمرات والاجتماعات داخل سورية وخارجها، وكان الهدف الرئيس لهذه المؤتمرات والاجتماعات البحث في واقع الأزمة السورية وآفاق حلها. وبمقدار ما تعددت المؤتمرات والاجتماعات، تعددت التحليلات التي تناولت الأزمة من حيث أسبابها وتجلياتها، وتعددت السبل والطرق المطروحة للخروج من الأزمة، كما تنوعت الصيغ التنظيمية والإجرائية، التي رأى المؤتمرون والمجتمعون أنها كفيلة بإخراج سوريا والسوريين من الأزمة، وتجاوز ما يمثله نظام الاستبداد والدكتاتورية وممارساته الدموية، والذهاب إلى فضاء الحرية والكرامة وإقامة الدولة الديموقراطية التعددية، التي تضمن الحق والعدالة والمساواة لمواطنيها جميعاً.
ولأسباب متعددة ومعقدة، يتعلق أهمها بتنوع وتعدد خلفيات قوى المعارضة واتجاهاتها، وبالظروف والشروط التي تحيط بها سواء في داخل البلاد أو خارجها وفي العلاقة معهما، فإن مؤتمرات واجتماعات المعارضة، ما استطاعت الوصول إلى صيغ سياسية ولا تنظيمية، تساعدها في وصول صائب إلى تحليل طبيعة الأزمة وتجلياتها وسبل حلها والأدوات والآليات، التي سيكون لها دور فاعل ومؤثر في ذلك، ولا استطاعت رسم الطريق الذي ستمضي إليه سورية في ظل واقع معقد، ويزداد تعقيداً.
لقد انتجت المعارضة السورية في حراكها العام هيئات ومؤسسات، قاربت بدرجة أو بأخرى احتياجات السوريين، لكنها لم تستوفها لا سيما لجهة وحدة الأفق والأداة السياسية، وهو أمر ترتب عليه تواصل ضغوطات داخلية وإقليمية ودولية على المعارضة للذهاب نحو وحدة توفر لها أفقاً وأداة سياسية، تساعد في معالجة الأزمة السورية وولادة بديل للنظام الحاكم في سورية.
وسط هذه الروح من الحاجة ينعقد مؤتمر المعارضة السورية بالقاهرة، لكن ثمة عوامل أخرى تدعم انعقاد المؤتمر، أولها أن اغلب كتل وجماعات المعارضة السورية ستحضر أو تكون ممثلة فيه، وسيحضر ممثلون عن الحراك الشعبي ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة، وهذا تطور جديد يعني تجاوز ادعاءات التمثيل التي ظهرت في الفترة السابقة والسعي لإقامة تمثيل له قاعدة أوسع. والأمر الثاني في عوامل دعم المؤتمر، أن اجتماعات تمهيدية قد سبقته، كان أبرزها اجتماع عقد في إسطنبول، وآخر في بروكسل، وتمت في الاجتماعات مناقشة أوضاع المعارضة وضرورة الوصول إلى توافقات بين أطرافها، تستجيب للاحتياجات التي تفرضها الأزمة القائمة وتداعياتها على المستويات المختلفة، مما يعكس الاهتمام الجدي بإنجاح المؤتمر. والأمر الثالث من عوامل دعم المؤتمر يمثله تحضير جدي ومنهجي لأعمال المؤتمر، تقوم به لجنة من المعارضة، أعطيت الوقت الكافي لإنجاز عملها، لضمان نجاح ووصوله إلى نتائج افضل. وقد عكست النقاشات التي تمت داخل اجتماعات اللجنة حرص أعضائها على إنجاز مهمتهم بأعلى قدر من المسؤولية لجهة أمرين اثنين، أولهما اختيار المشاركين بالمؤتمر وفق قواعد رصينة تراعي الواقع السياسي، والثاني مناقشة كل الآراء والمواقف المطروحة بصورة موضوعية، والعمل على إجمالها بحيث تكون الأوراق الأساسية للمؤتمر معبرة عن الطيف الأوسع للمعارضة من جهة، والأقرب إلى احتياجات الواقع السوري، وقد أضافت اللجنة إلى جهدها، تعميمها أوراقاً من مختلف الكتل والجماعات والشخصيات، تتناول موضوعات هي في صميم الاهتمامات والاحتياجات السورية الراهنة والمستقبلية، وكلها ستكون في متناول أعضاء المؤتمر ليطلعوا عليها، وقد يتم تبني بعضها في إطار ما يطرح في المؤتمر من أوراق.
وسط تلك الظروف يفتح مؤتمر المعارضة السورية أبوابه، ليواجه ثلاثة أمور أساسية، الأول فيها إثبات أن المعارضة السورية على قدر من المسؤولية يتناسب مع زخم وتضحيات الحراك الشعبي السوري المستمر والثابت على قوته وزخمه طوال ستة عشر شهراً، والواضح في أهدافه وإصراره على تحقيقها، والأمر الثاني تأكيد أن المعارضة السورية ذات أهلية، تجعلها قادرة على تجاوز عوامل فرقتها الذاتية والموضوعية، والمضي في طريق صياغة روح سياسية وتنظيمية تفرضها المرحلة التي تعيشها سوريا، والأمر الثالث، أن المعارضة السورية قادرة على الوفاء بالتزاماتها إزاء الأطراف المختلفة، وبخاصة لجهة تحمل مسؤولياتها في التعاطي مع الشأن السوري من حيث إخراجه من الأزمة الراهنة، ثم الانتقال إلى التصدي لمهمات مرحلة مابعد نظام الاستبداد والدكتاتورية ومعالجة ما تركه من جروح عميقه في الجسد السوري، وقد بات يحتاج بالفعل إلى غرفة عناية مشددة تديرها معارضة توازي في قدرتها وقوتها قدرة وقوة الشعب السوري المصر على الحياة والحرية وتجاوز ما أصابه من أضرار وكوارث. انه مؤتمر تحدي الحقيقة، فهل تثبت المعارضة السورية أنها على هذا المستوى من التحدي؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك