عكار | منذ انتهاء حادثة الخطف المتبادل بين وادي خالد وسهل عكار الشهر الماضي، خفت ضجيج السياسة في المنطقة. كأن شيئاً تغيّر آنذاك: لم يرحب أهالي الوادي بزيارات الشيخ أحمد الأسير، ولا بزيارة جو ليبرمان، وحتى الحماسة لاستقبال قادة 14 آذار لم تعد كما كانت. مظاهر التغيّر واضحة للعيان: انعدمت حركة الشاحنات باتجاه الوادي، تراجع عدد فانات نقل الركاب، والقليل الذي بقي قلّ عدد ركابه.
ويُروى في الوادي أن مردود تهريب السلاح كان مرتفعاً لكن قلة من أهل الوادي استفادت منه، فيما شملت تداعياته جميع أهالي الوادي، سواء في الحصار الذي فرض على الوادي أو في الأعمال العسكرية التي طالت حدوده. وقد تعرض الوادي لمخاطر أمنية، بفعل الانتشار الكثيف للجيش السوري على كامل الحدود، والذي أصبحت تهديداته بالرد على أي إطلاق نار عليه واضحة من دون لبس. لذلك، يقول العلي، إن أهالي الوادي «رفعوا الغطاء نهائياً» عن أي شخص يحاول الاقتراب من الحدود بنيّة تهريب السلاح أو إطلاق النار باتجاه سوريا. ورفع الغطاء معناه، في نظر العلي، نقلاً عن وجهاء العائلات والعشائر، «سقوط حق أهله بالرد» في حال قتله على الحدود «من أجل حماية بلدنا».
وكان أهالي الوادي قد تراجعوا عن فكرة تشكيل لجان أمنية لحماية الحدود، خشية عدم التمكّن من ضبط حركة اللجان، وآثروا القيام بتبليغ القوى الأمنية بالخروقات على الجانب اللبناني، إضافة إلى تبليغهم النازحين السوريين في حال تكرار حوادث إطلاق النار «بعدم استقبال غير النساء والأطفال والعجّز».
وفي وقت سابق، استقبلت مديرية استخبارات الجيش في الشمال وفداً من رؤساء بلديات ومخاتير ووجهاء وادي خالد والجوار، وأبلغتهم توجيهاتها بالتشدّد في قمع الخروقات الأمنية عبر الحدود. ولكن ترجمة تلك التوجيهات تباينت على أرض الواقع في الوادي: بينما اكتفى فريق من أهل الوادي بالمراقبة والتبليغ، شكلت المناطق ذات الوجود الكثيف لعشيرة الغنّام، لجاناً أمنية، تكفّلت بحراسة الحدود.
هكذا يقول مختار الهيشة محمد الأحمد، الذي تابع حادثة الدخول السوري المحدود قرب مركز الأمن العام على جسر قمار أمس. ويشير إلى إنه تلقّى اتصالاً من ضباط سوريين يبلغونه فيه عزمهم على قصف الأماكن التي أطلقت منها قذيفتا «آر بي جي» باتجاه مركز الهجرة والجوازات، وأن وابلاً من الرصاص رافق عملية إطلاق القذيفتين، الأمر الذي أدى إلى إصابة عنصرين من المركز المذكور. وأشار الأحمد إلى أنه بذل جهوداً مضنية لإقناع الضباط السوريين بالامتناع عن الرد بقصف الأماكن التي انطلقت منها النيران، والتي حددها السوريون بمحطة محروقات ومنازل معيّنة. وأشار إلى سعيه بالمقابل إلى إقناع أهالي الوادي بضرورة ضبط الحدود المقابلة لقراهم وبلداتهم، مع العلم، يضيف الأحمد، «بأن عشيرة الغنّام تسهر على حماية الحدود في المنطقة الممتدة من جسر الأسود حتى معبر شهيرة على مسافة تقارب الخمسة عشر كيلومتراً». وينقل الأحمد عن الضباط السوريين أن إطلاق النار عليهم دفعهم إلى الرد على مصادر النيران والاندفاع في تعقّب المسلحين حتى مركز الأمن العام القديم. وفي طريق العودة اعتقل الجيش السوري عنصرين من الأمن العام اللبناني وأخذهما إلى مسافة أمتار قليلة ضمن الأراضي اللبنانية باتجاه الحدود، لكن لم يلبث آمر الفرقة العسكرية السورية أن أصدر أمراً بإطلاق سراحهما.
من جهته، رأى رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن اجتياز وحدة عسكرية سورية الحدود اللبنانية واحتجاز عنصرين من الأمن العام اللبناني وتركهما لاحقاً، أمر مرفوض يخالف القوانين والأعراف الدولية من جهة، ويتجاوز مبدأ التنسيق الواجب بين البلدين على طول الحدود. بدوره، دان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي احتجاز الجيش السوري العنصرين. وتلقى ميقاتي اتصالاً من وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، الذي أبدى تفهم بلاده «لموقف لبنان بتطبيق سياسة النأي بالنفس عما يجري في سوريا".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك