يوم أمس كان منزل النائب بطرس حرب في منطقة الحازمية، أشبه بخليّة نحل أو معسكر في لحظة إعلان حال الطوارئ. سياسيون وأصدقاء جاؤوا يستنكرون ما حصل، والمحبّون أتوا ليضعوا أنفسهم بتصرّفه. أصوات شاجبة يخترقها الهدوء بين الحين والآخر. فجأة يصرخ أحدهم... «نحن مستهدَفون»، فيخرج حرب من غرفة الجلوس التي تحوّلت غرفة عمليات ليدعو الجميع إلى التروّي «لأنّ مَن قام بهذا العمل يريد أن يوصلنا إلى لحظات غضب ولن نعطيه مراده».
لم يكُن النائب بطرس حرب قد وصل إلى مكتبه في منطقة سامي الصلح بعد، عندما حاول ثلاثة أشخاص التسلّل خلسة إلى المبنى بهدف وضع عبوة ناسفة داخل المصعد، قبل أن يُكشف أمرهم ويُقبض على أحدهم بعدما فرّ رفاقه جرّاء افتضاح أمرهم.
وفي معلومات لـ"الجمهورية" أنّ مجموعة من ثلاثة أشخاص همّوا بالدخول إلى مبنى عطالله الواقع عند جادة سامي الصلح في بيروت، لكنّ أشكالهم وحيازة أحدهم سكيناً استوقفت حارس المبنى وطبيباً يملك عيادة في المبنى. وعند سؤالهم عن سبب حضورهم، كان الجواب أنّهم يريدون مدّ خط للإنترنت على السطح. هنا تدخّل الطبيب وطلب منهم المغادرة فوراً ليحصل نوع من التدافع بينهم، فهرب على إثره اثنان وبقي مَن في حوزته السكين".
وتضيف المعلومات: "لحظة حصول التدافع جُرح حارس المبنى قبل أن يهبّ لنجدته أحد سكان المبنى. عندها ألقي القبض على المشتبه به، وتمّ الاتّصال بمخابرات الجيش. لكن بعد أقل من دقيقة حضرت سيارة جيب من نوع X5، قال مَن في داخلها إنّه من مخابرات الجيش، فوضع المسدس في رأس المشتبه به واصطحبه إلى جهة مجهولة قبل أن يتبيّن لاحقاً أنّهم ليسوا سوى عصابة واحدة".
وتلفت المعلومات إلى أنّ "بعد وصول القوى الأمنية، أُعطيت رقم السيارة وهي 285037 المرمّز بحرف "و"، أي فرع الأوزاعي التابع لمصلحة تسجيل السيارات والآليات، ليتبيّن أنّ السيارة مسروقة والرقم مزوّر. وبعد عملية بحث داخل المبنى عُثر على عبوة غير مجهّزة للتفجير داخل المصعد، ما يعني أنّ الأشخاص الذين فرّوا كانوا في صدد استهداف أحد قاطني المبنى، وهم جاؤوا من جهة منطقة الطيونة ثمّ عادوا منها".
وقد حضر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر إلى المبنى لمباشرة التحقيق، وكلّف مديرية المخابرات في الجيش وشعبة المعلومات والأجهزة الأمنية، إجراء التحقيقات الأولية وجمع المعلومات والاستعانة بالكاميرا الموجودة في المكان ومحيطه لكشف الفاعلين ومن وراءهم. فيما قامت قوى من مخابرات الجيش والأمن الداخلي، والأدلة الجنائية والشرطة القضائية وفوج طوارئ بيروت، بمسح الأدلة والبصمات وكشفت على المبنى وفكّكت الصواعق. كما تمّ الكشف بواسطة الكلاب البوليسية على الطبقات والسيارات كافّة الموجودة أمام المبنى، وبقيت عناصر أمنية لحماية المبنى حتى انتهاء التحقيق.
حرب: "فلتان" وانعدام المسؤولية
وتعليقاً على محاولة اغتياله، قال حرب لـ"الجمهورية" إنّه يضع ما حصل "في خانة الفلتان الأمني وانعدام المسؤولية لدى السياسيين وغياب قدرة الدولة على ضبط الأمن"، وقال: "بعدما أصبح الأمن بالتراضي وانتشرت الأسلحة خارج إطار الشرعية، من الطبيعي أن يصل البلد إلى هذه الحال من الفلتان".
وكشف حرب أنّ وزير الداخلية أبلغ إليه "معلومات أنّهم سيضعون تفجيرات في مصاعد الأبنية لبعض الشخصيات السياسية لاغتيالهم"، معتبراً أنّ "المسألة ليست رسالة تخويف، بل هي محاولة اغتيال، لكن من الضروري أن تُعالج الدولة هذا الموضوع جدّياً، وأن تكون التحقيقات القضائية جدية لمعرفة من وراءها فتضع حدّاً لحال الانفلات".
ورأى حرب أنّ "إعلان الشهر الأمني لم يوقف شيئاً، والقرار يجب أن يكون عند جميع المسؤولين السياسيين، لا سيّما مَن لديهم ميليشيات ومسلّحون"، داعياً إلى "دقّ ناقوس الخطر، فالبلد لا يمكن أن يستمرّ هكذا، ويجب رفع الغطاء جدّياً عن أي شخص خارج على الشرعية، وأن نقف جميعاً مع أجهزة الدولة لتطبيق القانون على جميع الناس".
وشدّد على أنّ الأوان حان "لنفتح ملفّ السلاح المنتشر والتغطية السياسية لأصحاب السلاح وبالتالي لنحاول بناء دولة ونتّكل على الجيش وقوى الأمن، ومعاملة المعتدي على الأمن بشدّة من دون أن ندخل في حساسيات طائفية أو مذهبية أو حزبية". أضاف: "ذكّرت وزير الداخلية بأنّه سحب بعض عناصر الحماية لدينا، وسألته هل سيردّهم بعد هذه الحادثة؟"، لافتاً إلى أنّ "وزير الداخلية ضحيّة مثلنا، ولكن ماذا يستطيع أن يفعل وحده؟"
وردّاً على سؤال، قال حرب :"منذ مدّة بدأ جوّ الاغتيالات، مروراً بقصة الدكتور جعجع، وكذلك النائب سامي الجميّل واليوم مرّت معي بسلام"، متمنّياً أن تؤدّي التحقيقات إلى نتيجة، "لكنّ أملي ليس كبيراً".
شربل
من جهته، أوضح شربل لـ"الجمهورية" أنّه منطقي و"لا يمكنني أن أجزم الآن بما حصل، إذ إنّ المبنى الذي يملك النائب حرب مكتباً فيه، يضمّ مكاتب لمجموعة أشخاص آخرين"، مؤكّداً "تفخيخ المصعد الكهربائي، وإلقاء القبض على شخص، لكنّه ما لبث أن تحرّر على أيدي زملائه، والآن لدينا أكثر من دليل، لكن دعوا القضاء يقوم بواجبه لكي لا نخلط الأمور بعضها ببعض".
ونفى شربل كشف الجهة التي تقف وراء هذا الموضوع، "فأنا لا أحبّ الدخول في التكهّنات، هناك قضاء وأجهزة أمنية تقوم بعملها إضافة إلى وجود أدلة واضحة، ومن المفترض أن ينتهي التحقيق في أسرع وقت ممكن وأنا أتابع الموضوع شخصياً"، رافضاً وضع توقيت محدّد للانتهاء من التحقيق، "وما قيل عن أنّ المتهمين أتوا من جهة الطيونة يبقى من باب "القيل والقال".
ورأى شربل أنّ "البلد مستقرّ، لكن هناك أشخاص لا يحبّون هذا الاستقرار ويستغلّون الخلافات السياسية، وبالتالي علينا تحسين خلافاتنا وتنظيمها"، مذكّراً بأنّه كان أوّل من حذّر من موجة الاغتيالات كونها المدخل الوحيد إلى خربطة الوضع الأمني في لبنان".
14آذار: لاستقالة الحكومة
وقد استدعت محاولة الاغتيال، اجتماع قوى 14 آذار في منزل حرب، التي حمّلت في بيان تلاه منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد، الحكومة مسؤولية محاولة الاغتيال، مطالبة إياها بـ"الاستقالة الفورية".
ورفضت نظرية "استحالة تشكيل حكومة بديلة لما تضمّنه من تهديد لجميع اللبنانيين". وطالبت بـ"إحالة جريمتي محاولتي اغتيال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وحرب إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، باعتبارهما متلازمتين مع جرائم الاغتيال ومحاولات الاغتيال التي استهدفت قادة 14 آذار منذ العام 2004".
ولاحظت أنّ هذه المحاولة "تأتي في غضون تراكم معلومات عن لائحة اغتيالات لقادة قوى 14 آذار بأساليب متعددة، لعلّ أبرزها المعلومات عن مخطّطات لاستهداف الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة وسواهما. وقد أكّدها أكثر من مرة وزير الداخلية معتبراً أنّ وزارته تقوم بما عليها، وداعياً الآخرين إلى القيام بواجباتهم".
ورأت قوى 14 آذار أن "هذه الأعمال المجرمة ترتبط بتواطؤ الحكومة ولا سيّما في عدم سعيها جدّياً حتى اليوم إلى تسليم المتّهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى المحكمة الدولية، وفي تغطية السلاح غير الشرعي الذي يقوّض أساسات الدولة ويحرم اللبنانيين حقّهم في العيش بسلام في كنف الدولة وبحماية قواها الشرعية، والتي يجب ألا ينازعها احد على الحق في حصرية امتلاكها للسلاح".
وحمّلت "الحكومة و"التيار الوطني الحر" و"حزب الله" تحديداً مسؤولية حجب الداتا باعتبارهما واضعي اليد عليها"، معلنة بقاء اجتماعاتها مفتوحة لاتخاذ القرارات السياسية اللازمة.
إلى ذلك، توافد السياسيّون والشخصيات إلى منزل حرب متضامنين، وأبرزهم: النواب نبيل دو فريج، عاطف مجدلاني، روبير غانم وفؤاد السعد، المدير العام لوزارة الطاقة والمياه فادي قمير، رئيس "حركة التغيير" ايلي محفوض، نقيب اصحاب الفنادق بيار أشقر، المدير الإقليمي لأمن الدولة في بيروت العميد ايلي منسى الذي اجتمع معه لبعض الوقت، أمين سر حركة "التجدد الديموقراطي" أنطوان حداد وفاعليات.
مواقف
وقد تلقى حرب سلسلة اتصالات مستنكرة، كان أبرزها من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، رئيس مجلس النواب نبيه برّي، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الرئيس أمين الجميّل، الرئيس سعد الحريري، الرئيس فؤاد السنيورة، مساعد وزير الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، وسفيرة الاتحاد الأوروبي أنجيلينا إيخهورست، إضافة إلى نائب رئيس الحكومة سمير مقبل، وزراء الإعلام وليد الداعوق، الدفاع الوطني فايز غصن، والعدل شكيب قرطباوي. والنواب: سامي الجميّل، نديم الجميّل، نضال طعمة، علي بزّي، محمد قباني، محمد رعد، اميل رحمة وإيلي كيروز، المدير العام لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي، المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني وعدد من القضاة والفاعليات الأمنية والإعلامية.
من جهته، أبدى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي استنكاره الشديد لمحاولة الاغتيال واتصل بحرب بواسطة نائبه العام المطران بولس الصياح مهنئاً بالسلامة، شاكراً لله إفشال المحاولة الآثمة. وطالب المسؤولين في الدولة بـ"متابعة جهودهم لقطع دابر الشر في البلاد وإحلال السلام الداخلي وطمأنة المواطنين".
كذلك، أصدر الحريري بياناً حذّر فيه من أنّ الحادثة هي "واحدة من أخطر الرسائل التي توجَّه إلى القيادات الوطنية الكبرى، والواضح وفقاً للمعلومات التي أعلن عنها أن الجهة المنفذة هي جهة متمكّنة وتمتلك القدرة على التحرّك والتنفيذ والإفلات، الأمر الذي يطرح أسئلة كبيرة يجب على السلطات المعنية أن تقدم الإجابات الصريحة عنها". واعتبر أنّ "هذا الحادث الإجرامي يؤكد أنّ خطر الاغتيالات السياسية يعود مجدداً وأنّ المعلومات التي تلقّاها أكثر من قيادي وسياسي، وتحديداً من قوى 14 آذار، تعيد إلى الأذهان موجة الجرائم التي استهدفت هذه القيادات وأودت بحياة رموز وطنية وسياسية وإعلامية كبيرة، محمّلاً "الحكم والحكومة مسؤولية من رأس الهرم إلى أدناه عن إعادة الاعتبار إلى هيبة الدولة".
واستنكر السنيورة "الحادث الخطير في دلالاته واستهدافاته، والذي يأتي في سياق بالغ الحساسية وفي ظل أوضاع استثنائية على أكثر من صعيد". وطالب الحكومة والأجهزة الأمنية بـ"تحقيقٍ عاجلٍ وإجراءات فاعلة للقبض على مرتكبي هذا الحادث ومعرفة من وراءهم".
السفارة الأميركية: للتعاون الكامل مع المحكمة
من جهتها، دانت السفارة الأميركية في بيروت "ما يبدو أنّه محاولة اغتيال استهدفت السياسي اللبناني (النائب) بطرس حرب"، ودعت الحكومة اللبنانية إلى "التعاون الكامل مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بما في ذلك القبض على الذين وردت أسماؤهم في القرار الظنّي وتوفير تمويلها لسنة 2012". وكرّرت "دعمها القوي عمل المحكمة"، مشيرة إلى أنّ "لبنان والمجتمع الدولي سعيا إلى وضع حدّ للإفلات من العقاب في الاغتيالات السياسية مع إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان"، ودعت "حكومة لبنان إلى إجراء تحقيق دقيق في الحادث الذي تعرّض له حرب".
جعجع: الحكومة مسؤولة
من جهته، قال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع: "من غير المقبول منذ العام 2005 أن تقع عشرات محاولات الاغتيال وعمليات الاغتيال التي طاولت قوى 14 آذار دون سواها"، مستغرباً "عدم استنكار الفريق الآخر ما يجري، حتى أنه يحاول بكلّ الوسائل الإنكار الدائم إن لجهة التشكيك أم الاستخفاف بهذه المحاولات". وإذ أمل "لو دعا الرئيس نبيه برّي الهيئة العامة للمجلس النيابي إلى الانعقاد والبحث في محاولة اغتيال النائب حرب الذي يمارس مهماته النيابية منذ 40 عاماً"، حمّل المسؤولية إلى الحكومة اللبنانية. وحمّلها أيضاً "مسؤولية عدم التوصل إلى أي نتيجة في محاولة اغتيالي باعتبار أنها تمتنع عن تسليم داتا الاتصالات إلى الأجهزة الأمنية".
وسأل جعجع: "أيُعقل أنّ الأجهزة الأمنية، التي تعلم بكل شاردة وواردة في البلد، تجهل ما يحصل في محاولات الاغتيال التي تطاول قوى 14 آذار؟"، لافتاً إلى أن "داتا الاتصالات هي أداة مهمة في كلّ دول العالم لاكتشاف الجرائم والعمليات الإرهابية إلا في لبنان، فإلى متى سيستمر هذا الوضع الإجرامي؟ هل يريدوننا أن ننزل إلى الشوارع ونحرق الدواليب؟ لن نقوم بهذا التصرف لأنه ليس أسلوبنا، بل ما سنفعله هو إسماع صوت الشعب اللبناني والتحضير لانتخابات 2013 ضد كل من لا يتحمّل مسؤولياته في الدولة". وطالب جعجع الحكومة بإعطاء كامل الداتا إلى الأجهزة الأمنية "التي بدورها عليها أن تتحمّل المسؤولية حتى لا تُتهم بالتقصير".
وعن الجهة التي تقف وراء محاولة الاغتيال، سأل جعجع: "من يملك مجموعات قادرة على التحرُّك إلى حدّ أنها تملك بطاقات رسمية، مزوّرة أم صحيحة، تدّل على إحدى الأجهزة الأمنية؟ أين هي هذه الأجهزة الأمنية؟ لماذا تُكتشف كل الشبكات الإسرائيلية باستثناء محاولات الاغتيال وعمليات الاغتيال التي تستهدف قوى 14 آذار، إلا إذا كانت بعضها أقلهُ متواطئة أو تغض النظر عن هذه الجرائم؟"
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك