ليس سهلاً أن نحدّد مفهومنا للامن في هذا البلد فكيف بنا إذا ما خرج هذا المصطلح من فم جون ماكين؟ فبين معراب وكليمنصو وبلسّ ضاعت خيوط الحقيقة فهل من نيّة اميركية حقيقيّة بتحويل شمال لبنان الى منطقة آمنة كما صرّح ماكين من معراب اثناء زيارته رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع؟ أم أنّ تبريره للرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط صادق بأنّ الخيار سيقع على الاردن او تركيا؟
ففي كلتي الحالتين الجوهر واحد، وهو أنّ لبنان عاد الى جدول اعتبارات وحسابات واشنطن بعد فترة من عدم الاهتمام، وطبعاً العودة من البوّابة السوريّة والبدء بالتحضير للمرحلة المستقبليّة في سوريا إذا ما أردنا أن نقول مرحلة ما بعد الاسد، على اعتبار أنّ الموقف الروسي والصيني لم يتبدّل إلا أنّه بات أكثر قابليّة للتسوية.
ولكن أيّ ثمن سيدفعه لبنان؟ وهل هو قادر بعد اليوم على تحييد نفسه وحماية البيت الداخلي؟ فالمشهد في عكار لم يكن ليوحي سوى بأيّام اعتقدنا بأنّها دخلت صفحات تاريخ الحرب الاسود ولن تعود ثانية، ولكن للاسف ها هي الطرقات ليست آمنة وقد يطالعك في أيّ لحظة حاجز أمنيّ ويكون عليك أن تبرز هويّتك لمسلّحين قد تتعاطف مع حماستهم وانفعالهم ولكنّك لا تستطيع أن تفهم سلوكهم، وفي تلك اللحظة ينتفي شعورك بأنّك مواطن، فعلى تلك الحواجز منذ ثلاثة عقود كان يكتب مصير اللبنانيّين بين الحياة أو الموت.
والمفارقة الغريبة أنّ المسؤولين الاميركيّين غالباً ما يقومون بأقصى درجات الامن والحماية وتقطع لهم الطرقات خوفاً على سلامتهم في ظلّ تدابير أمنيّة مشدّدة لأيّ دولة يزورونها، فما بالهم يتنقّلون بحريّة في أخطر منطقة أمنيّة في لبنان منذ زيارة جيفري فيلتمان الاخيرة وزيارة الوفد المرافق له للمنطقة الحدوديّة التي لا تصلها القوى الامنية، حتى وأخيراً مع زيارة جون ماكين، والاغرب أنّهم يجدون فيها منطقة قابلة لتكون "آمنة" انسانيّاً للاجئين السوريّين.
لن تمرّ الأيّام القليلة المقبلة بسلام على لبنان في حين تتراكم الهموم الأمنيّة يوماً بعد يوم ويزداد حجم التفلّت الامني ليصل الى محاولة اغتيال جديّة لشخصيّة سياسيّة بحجم النائب بطرس حرب. ويبدو السؤال عمّن يحاول التلاعب في أمن البلد سخيفاً أحياناً كثيرة ولكن الاجابة عنه قد تكون بحجم الكارثة، فمسلسل الفوضى المتنقّل يبدو أنّه سيطول ولكن أن تصل حالة الهذيان الى درجة إقامة حواجز والتدقيق بالهويّات من قبل مسلّحين مدنيّين والتمرّد على الجيش فهذا يعني أنّ هناك من يخطف منطقة بأكملها خارج نفوذ الدولة.
عذراً ماكين، ولكن هل من أمن في منطقة الشمال لتعلنها منطقة آمنة؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك