الطقس بارد في أعالي كسروان. الشتاء يقاوم ويخطف من آذار أيّامه الأخيرة. أمّا رئيس جمعيّة المصارف سليم صفير فيأخذ بعضاً من وقت الفراغ في نهاية الأسبوع لقراءة أوراقٍ وملفات، نختطفه منها بدورنا في دردشة مصرفيّة في زمن الكورونا.
من مشروع "الكابيتال كونترول" المتعثّر حكوميّاً نبدأ حوارنا مع رئيس جمعيّة المصارف. يقول: "تأخّر المشروع كثيراً. كان يجب أن يصدر في الأسابيع الأولى بعد الأزمة، وهو لا يحتاج أصلاً إلا الى سطورٍ قليلة، إلا أنّنا في بلدٍ يريد الجميع فيه أن "يبلّ" يده بهذا المشروع، وقد تحوّل الكثير من العاطلين عن العمل المفيد هذه الأيام الى منظرين ومحلّلين في الاقتصاد والمال والمصارف".
بلهجةٍ كسروانيّة تتداخل فيها أحياناً العبارات الفرنسيّة والإنكليزيّة، يبسّط صفير الشرح: "الكابيتال كونترول" هو أشبه بحنفيّة نقرّر ما إذا كنّا سنفتحها بوفرة أم باقتصاد كي يكفينا مخزون المياه. حتى في الولايات المتحدة الأميركيّة هناك "كابيتال كونترول" فرضه فيروس كورونا".
إلا أنّه يشرح بأنّ المصارف تلبّي الكثير من حاجيّات الناس، "وقد لبّيت شخصيّاً طلبات السفراء اللبنانيّين الذين تواصلوا معي لتحويل أموال الى طلاب في الخارج".
يتحدّث سليم صفير بواقعيّة. يمسك عباءته الشتويّة من طرفها، قبل أن يقول: "فجأةً، تحوّل (حاكم مصرف لبنان) رياض سلامة من أنجح حاكم مصرف مركزي في العالم نسمع الإشادة به من الداخل والخارج الى رجلٍ سيء مسؤول عن مصائب لبنان. وفجأةً، تحوّلت المصارف من قصص نجاح تجذب الرساميل من الخارج الى مؤسّسات تسرق أموال الناس. "هيدا غير معقول ولا مقبول!".
ويتابع: "لقد حمّلنا السياسيّون ما لا قدرة لنا على تحمّله، وحمّلوا الناس أيضاً، وهؤلاء هم الضحايا. ففشل الحكومات المتعاقبة أورثنا أزمةً يصعب الخروج منها. وسعى البعض الى تحويل الأنظار عن فساده عبر توجيه بعض الرأي العام ليهاجم المصارف، مستغلاً الحراك الشعبي الذي كان رائعاً في أيّامه الأولى".
يعترف صفير بأنّ الحكومة الحاليّة تعمل جاهدة، ولكنّ مشكلتها، برأيه، أنّها "تجرّب بدل أن تنفّذ خطّة واضحة، وهذا ما حصل في موضوع "اليورو بوندز" الذي سينتهي بالإدّعاء على الدولة اللبنانيّة، الا اذا تمت اعادة الجدولة وفقاً لشروط "سيدر" على الأقل".
يمتزج في كلام سليم صفير الاطمئنان والقلق. يطمئن المودعين على أن "لا شيء سيتغيّر عليهم ما داموا يعيشون على الأراضي اللبنانيّة ولن يضيع قرشٌ من أموالهم، إلا أنّ التقطير في سحب الدولار سيستمرّ ما دامت العملة الصعبة غير متوفّرة"، مشيراً الى أنّ "الإقبال الكثيف على السحب هو الذي أدّى الى هذه المشكلة بعد زعزعة ثقة الناس، وهو أمر تتحمّل مسؤوليّته السلطة السياسيّة التي أرادت أن تلبسنا ارتكاباتها".
ويضيف: "هذه السلطة نفسها تبحث اليوم عن تأمين المال من المصرف المركزي ومن المصارف والمودعين حصراً، بدل التفتيش عن مصادر أخرى، وهي كثيرة".
ويرى صفير أنّ "الأعباء باتت كبيرة جدّاً على المصارف، والتعميم الأخير الذي أصدره حاكم مصرف لبنان يزيد من هذه الأعباء ولكنّنا نتفهّمه وندرك صعوبة المرحلة على المؤسسات والأفراد"، إلا أنّه يعتبر أنّ "دمج المصارف ليس حلاً مجدياً في هذه المرحلة لأنّ الكبير سيأكل الصغير، وسيؤدّي ذلك حُكما الى صرف عدد كبير من الموظفين، فنفاقم المشكلة بدل حلّها".
نختم الحوار مع سليم صفير هنا. يقف للوداع، ثمّ يجلس مجدّداً ليقول: "هل المصارف هي التي وتّرت العلاقة مع الدول المانحة؟ هل المصارف هي التي أوقفت مشاريع "سيدر"؟ وهل المصارف تمنع الولايات المتحدة الأميركيّة واوروبا والعالم من مساعدة لبنان؟ هذه الأخطاء ترتكب في السياسة ثمّ تُلقى على المصارف، للأسف. حتى اعادة جدولة الدين الخارجي يحتاج الى التزام لبنان بشروط "سيدر" والا لن يفكر الدائنون بإعادة الجدولة".
ويضيف صفير، وهو يهمّ بالوقوف: "لا حلّ في ظلّ المعطيات الحاليّة الا باللجوء الى صندوق النقد الدولي، والا سنكون أمام كارثة".
يبدو رئيس جمعيّة المصارف سليم صفير مستعدّاً للمبادرة والمشاركة في الحلول. لكنّ خلاصة كلامه هي أنّ الكرة في ملعب السياسيّين. من هناك بدأت تتراكم الأخطاء، حتى وصلنا الى ما وصلنا إليه. ومن هناك تُستنبط الحلول.
يختم: "علينا ان نتعاون جميعاً لإنقاذ البلد، ونحن كمصارف جاهزون، لكننا نريد خطة عمل حقيقية وخريطة طريق واقعية من الحكومة".
خلاصة منطقيّة. ولكنّها تدفعنا الى التشاؤم، ما دام السياسيّون هم الداء والدواء.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك