كتب مايز عبيد في "نداء الوطن":
تعيش مناطق عكارية في الشمال هاجس التفلّت الأمني الذي ازدادت وتيرته أخيراً، مع انتشار السرقات بشكل يومي، والأعمال الإجرامية، وفي وَضح النهار، ناهيك عن تفلّت السلاح وإطلاق النار، وترويع الناس الآمنين.
في مسألة الإشكالات الفردية حدّث ولا حرج. عشرات الإشكالات اليومية الفردية تحصل، بعضها على خلفية أفضلية مرور، وبعضها الآخر لأسباب تافهة لا تستأهل حتّى الذكر، وتؤدي إلى شَهْرِ السلاح وإطلاق النار ووقوع الإصابات. على أن آفة الآفات تتمثّل في الإنتشار غير المسبوق لآفة المخدّرات بين الشبّان، وهؤلاء المُدمنون يُمارسون شتّى أنواع التعدّيات ويفتعلون الإشكالات والحوادث، الواحدة تلو الأخرى، ومع أنهم جميعاً معروفون لدى الأجهزة الأمنية والمخابراتية، إلا أنهم متروكون، يمارسون هذه الأفعال ولا تتحرّك الأجهزة الأمنية لاعتقالهم إلا عندما يُقدمون على ارتكاب جريمة من نوع القتل أو ما شابه، علماً بأنه لو قامت القوى الأمنية بعملية ردعية ضدّهم فقط من باب التعاطي بالمخدرات كآفة وجرم، لأمكن تجنيب المنطقة الكثير من الخضّات.
وتعاطي المخدرات لم يعد في الخفاء كما كان يحصل في السابق. بل يتمّ اليوم في العلن، وحتى على مرأى من عناصر الشرطة البلدية في المناطق والبلدات، التي ترمي المسؤولية على القوى الأمنية، وبدورها ترمي الأخيرة المسؤولية على عناصر الشرطة. وهكذا تتشعّب المسؤوليات وتضيع، فيبقى من لا يُقيم أي وزن لدولة أو لقانون، حرّاً طليقاً، يُروّع الناس ويُهدّد الأمن الإجتماعي.
يروي المواطن (خ. محمد) من إحدى القرى العكارية، كيف أن أحد الشبّان استلّ بندقيته في إحدى الأمسيات، وجال في الطريق العام، وأطلق النار في الهواء في كل اتجاه وعلى مرأى من الجميع ثم عاد أدراجه. هو نفسه كان قد حذّر عناصر مخفر تلك القرية بأنكم "إذا تعرّضتم لي فإن مخفركم كلّه سيكون خلال دقائق ساقطاً أمنياً تحت أيدينا أنا والشباب معي"، أي يقصد الشباب من نفس الشلّة.
كل ذلك يحصل وسط تراخٍ أمني ملحوظ تشهده قرى وبلدات عكّار. وبرز ذلك جلياً خلال تطبيق التعبئة العامة وأداء القوى الأمنية الضعيف وعدم اكتراث الناس بها، فكانت حركتها صورية أكثر منها حركة قمعية جدية. وبعد الإنتقادات الإعلامية وعلى التواصل الإجتماعي التي طالتها، وسّعت هذه القوى حركتها وإجراءاتها على الأرض. وأغلب الحديث هنا يشير إلى الدور الذي تقوم به تلك القوى الأمنية نفسها على اختلافها، من أمن داخلي واستقصاء ومخابرات. هذه القوى التي توضع عشرات الأسطر تحت أدائها في ضبط السلم الأهلي وردع الجريمة، تحضر بكامل جهوزيتها وعدّتها وعتادها، عندما يشاء شاب بناء منزل ليسكن فيه، أو سقف دكانٍ يعتاش تحت فيئه، ولا يعود من مجال أمامه إلا بإزالة تلك المخالفة لأن البناء الآن ممنوع. وعندما كان البناء مسموحاً عبر رخص البلديات، كانت هذه القوى الأمنية نفسها بحركتها الكاملة من أجل الحصول على بعض الترضيات. كي يتمكّن صاحب هذا السقف من إنجاز عمله. آخر تجلّيات ومظاهر الفلتان الأمني هو الإطلاق العشوائي للنار الذي تشهده قرى عدّة، خصوصاً في فترات الليل، من دون أن يُعرف مصدره، أو هوية مُطلق النار وسبب إطلاقه. في عشرات القرى والبلدات، تُسمع رشقات نارية من أسلحة حربية بشكل يومي، ما يبعث على الخوف في نفوس المواطنين والسكّان. بعض مصادر هذه الرشقات يعرفها أهالي تلك المناطق، وبعضها لا تُعرف الجهة التي تقف خلفها. على أن أكثرية عمليات إطلاق النار هذه تأتي من شباب متفلّت من الضوابط، يحاولون ترويع الناس لأسباب مزاجية، لا أكثر ولا أقل.
قبل أيام، يُقتل أحد صناعيي طرابلس، أحمد مظلوم، في وضح النهار وبدمٍ بارد. كل ما يجري في البلد لا يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة لا ثاني لها: هيبة الدولة في خبر كان. عُرض على موقع الفيسبوك قبل يومين فيديو لشبّان يحملون السلاح ويجولون بسيارة من أمام حاجز للجيش في إحدى المناطق اللبنانية، انتشر بعدها على مواقع التواصل الإجتماعي هاشتاغ #سلملي_على _هيبة_الدولة. فعلاً، هيبة الدولة صارت على المحك في هذا العهد الذي تتقوّض فيه الدولة وتتحلّل مؤسساتها لصالح الفوضى والتسيّب.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك