سوريا في قلب كل المسارات. لا يمكن فتح أي مسار وتجاهل المواقف من سوريا. قمّة دول عدم الانحياز التي عُقدت في طهران، أكدت ذلك بصورة لا تقبل الشك، أرادت طهران إعلان فك عزلتها الدولية بكثير من الضجيج والفرح. التوجّه الإيراني، في أساسه داخلي، أرادت القيادة الإيرانية أن تثبت أمام الشعب الإيراني أنّ "الحرب الكونية" التي يشنّها الغرب عليها وخصوصاً واشنطن، فشلت فشلاً ذريعاً. تكفي الصورة الاحتفالية التي جمعت رؤساء وممثلي مائة وعشرين دولة لتأكيد ذلك. لكن العالم ليس مجرّد صورة. العالم ينظر إلى ما وراء الصورة وإلى ما بعدها من تحرّكات وعلاقات.
مصر كانت في القمّة في قلب الحدث قبل أن يكون الرئيس محمد مرسي في وسط الصورة. السؤال الكبير الذي سبق القمة كان: هل مشاركة مصر تفتح مساراً للتحالف وللعلاقات الاستراتيجية مع إيران، خصوصاً وأنّها الزيارة الأولى لرئيس مصري لإيران منذ الثورة وسقوط الشاه؟
الموقف من الثورة في سوريا ظهّر الجزء الأساسي من صورة العلاقات الإيرانية المصرية. الخط الأساسي فيها أنّ لهذه العلاقات سقفاً لا يمكن اختراقه، وأنّ ما حدث لم يكن أكثر من عملية تسليم وتسلم لمنظمة ألغت نهاية الحرب الباردة حضورها قبل فعاليتها، ودول مثل إيران تحلم بإعادة الحياة إلى هذه المنظمة على أساس أنّ العالم يتغيّر وأنّ نظاماً دولياً جديداً هو قيد التكوّن، وأنّ عودة الحرب الباردة ولو مصغّرة، بسبب سوريا، تعطي دول عدم الانحياز دوراً وموقعاً يمكن الإطلال منه.
عملية التسليم والتسلم كانت كافية وحدها للتأكيد بأنّ " كل ما مات فات ". منظمة دول عدم الانحياز ماتت من زمان طويل لكن لم يعلن أحد وفاتها لأنّ لا أحد يريد تحمّل هذه المسؤولية. الخلافات ما زالت كبيرة تباعد بين قوى عائدة وصاعدة مثل مصر، وقوى حاضرة أنهكتها طموحاتها الكبيرة التي جعلتها تدخل في كل الحروب وكأنّ الحروب تصنع المواقع.
في قلب الخلاف المصري الإيراني الإجابة عن سؤال لا يمكن تغافله وهو: مَن هو "الظالم" ومَن هو "المظلوم" في سوريا؟ المرشد آية الله علي خامنئي أجاب: "النظام في سوريا تعرّض للظلم". الرئيس المصري محمد مرسي قال "الثورة في سوريا هي ضدّ النظام الظالم". نصرة الظالم على المظلوم تحدّد المواقف. ما يعزّز هذا أنّ السؤال ينطلق أساساً بالنسبة للطرفين خامنئي ومرسي من موقع واحد هو الالتزام الفكري والايديولوجي بالإسلام. لذلك أن يختلف مرسي وخامنئي حول هوية الظالم والمظلوم مسألة كبيرة وليست مجرّد تفصيل، لأنّ نصرة المظلوم على الظالم تكليف شرعي. العقدة في هذا أنّ المرشد خامنئي اختار نصرة النظام الأسدي على الشعب السوري لأن مصلحة النظام الايراني تتقدم على كل شيء. وهي في الأساس بقاء الحليف الأسدي مهما كان الثمن غالياً حتى ولو كان مخالفاً لكل الخطاب الايديولوجي طوال ثلاثة عقود.
الإحراج الايراني الرسمي من هذا الاختلاف في الموقع تبلور في التحريف العلني لخطاب مرسي في الترجمة الفارسية، فقد استبدل "الربيع العربي" بـ"الصحوة الاسلامية"، وعن دعوة الثورة في سوريا أصبحت في الترجمة "الأزمة في سوريا" وانه علينا جميعاً أن ندعم النظام الحاكم في سوريا".
لا شك أن السلطات الإيرانية أحرجت من خطاب مرسي الذي يخالف موقفها من الثورة في سوريا الذي لم يعد يلقى تأييداً داخل شرائح واسعة من الشعب الايراني.
أيضاً، عدم لقاء المرشد خامنئي بالرئيس محمد مرسي، في وقت التقى الرئيس أحمدي نجاد به، يؤكد وجود موقفين متعارضين من العلاقات مع مصر الجديدة. ايران الرسمية مع إقامة علاقات رسمية قوية في حين أن ايران الدينية ضد هذه العلاقات طالما ان الخلاف عميق بينهما الى هذه الدرجة. المشكلة ان ايران الرسمية ممثلة بأحمدي نجاد الى ذهاب لأنه لم يبقَ أمامها سوى أشهر معدودة في حين ان ايران الدينية ممثلة بالولي الفقيه باقية.
حتى يُحسم الموقف في سوريا، فإن الهوّة كبيرة بين مصر وإيران. ومتى وقع الحسم فإن موازين القوى ستكون مختلفة جداً. ايران ستكون ضعيفة ومستعدة لتقديم تنازلات لأنه لا يمكنها أن تقف وحيدة في مواجهة مصر وتركيا والسعودية ومن دون الحليف السوري. كان يمكن للمرشد خامنئي أن لا يقيد نفسه الى هذه الدرجة بالقيود الأسدية ويفتح الطريق نحو علاقات قوية مع مصر، هذه العلاقات التي أرادها يوماً جمال عبد الناصر مع ايران غير شاهنشاهية، لأن بداية التغيير في المنطقة في مثل هذا الحلف المتكافئ الذي يصبح قوة ترسم كل المسارات في منطقة الشرق الاوسط بوجود السعودية وتركيا. قيام مربّع متماسك زواياه: القاهرة وطهران وأنقرة والرياض، يبقى هو الحل، على أن يكون سقوط النظام الأسدي بدايته لأنه يحرر الجميع من أسر فخ السؤال الكبير، من هو الظالم ومن هو المظلوم، علماً أن الاجابة واضحة وهي أن الشعب السوري هو المظلوم وهو المقاوم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك