لا تدعو موافقة الحكومة على ترؤس لبنان لمجلس الجامعة العربية إلى الاستغراب، لأنّ هذا الطلب سوري بامتياز، والحكومة لم تعتد رفض الطلبات السورية وحتى لو تناقضت كلياً مع سياسة النأي بالنفس التي تدّعي هذه الحكومة اعتمادها، كما أنّ هذه الخطوة لم تأخذ في الاعتبار التجربة الفاشلة للبنان في ترؤس مجلس الأمن.
وإذا كانت مصلحة النظام السوري تكمن في ترؤس الدولة العربية الوحيدة التابعة له مجلس الجامعة العربية في ظل خشيته من تبوّؤ أيّ دولة أخرى هذا الموقع، فإنّ المصلحة اللبنانية هي في عدم الظهور بمظهر المتناقض مع التوجّهات العربية أو الخارج عن الشرعية العربية نظراً لانعكاس هذا الأمر على سمعة لبنان ودوره ومصلحة أبنائه المنتشرين في هذه الدول، فضلاً عن حاجته إلى الدعم العربي في مواجهة الهيمنة الإيرانية عليه.
ولعلّ أخطر ما في هذه الخطوة أنّ ممثل لبنان أو رئيس الجامعة العربية سيكون وزير الخارجية عدنان منصور، ومن المعلوم أنّ توجّهات منصور هي توجّهات سورية-إيرانية، ويعبّر في كل المنتديات الدولية والعربية عن المصلحة السورية وليس اللبنانية، وستشكل مواقفه استفزازاً للدول العربية، ما يضع موقع لبنان في مواجهة مع المواقع العربية الأخرى، وبالتالي، إنّ ترؤس لبنان بهذا المعنى يعني ترئيس دمشق وطهران مجلس الجامعة العربية.
واللافت في هذا السياق أنّ احتجاج الرئيس نجيب ميقاتي على الانتهاكات السورية للحدود اللبنانية لم يمرّ عبر منصور، فيما كانت الأصول تقضي أن يعطي رئيس الحكومة توجيهاته إلى وزير الخارجية ليطلب من سفير لبنان في سوريا ميشال خوري توجيه رسالة عاجلة إلى وزارة الخارجية السورية لإبلاغها التداعيات السلبية الناتجة عن هذه الانتهاكات، ولكنّ ميقاتي فضّل تجاوز منصور لعلمه أنّ الأخير سيحوّر مضمون الرسالة التي أراد رئيس الحكومة توجيهها إلى النظام السوري وفحواها إعلان اعتراضه واصطفافه إلى جانب رئيس الجمهورية.
وفي معزل عن أهمية ما ورد أعلاه لا يفترض أيضاً اتّخاذ أي قرار يساهم في تسعير التناقضات بين اللبنانيين، خصوصاً أنّ الصراعات الداخلية على أوجها وأحد أبرز عناوينها اليوم هو ما يحصل في سوريا بين مؤيّد للنظام وداعم للثورة، وبالتالي سيكون الموقف الخارجي للبنان إمّا معطّلاً أو معبّراً عن فئة من اللبنانيين، علماً أنّ المصلحة اللبنانية تكمن في تحييد لبنان عن صراعات المحاور الخارجية.
هذا على المستوى اللبناني، أمّا على مستوى النظام السوري فثمّة حاجة لديه لاستيعاب، ولو قدر الإمكان، الهجمة الديبلوماسية الدولية والعربية عليه أو التخفيف من حدّتها في ظلّ خشيته الدائمة من تطوّرها في اتجاه قرارات أممية وخطوات عملية. وإذا كانت المواقف الدولية تزعج النظام من باب نزعها الشرعية الدولية عنه، فإنّ المواقف العربية والإسلامية تؤدّي إلى كشفه وجعله مجرّد أداة إيرانية في مواجهة العرب والمسلمين.
وقد دلّت التجربتان الأخيرتان من مؤتمر مكة الذي علّق عضوية سوريا في منظمة التعاون الإسلامي إلى مؤتمر طهران، والذي شهد مداخلة استثنائية للرئيس المصري محمد مرسي عبّر فيها عن تضامنه الواضح والصريح مع الثورة ضد النظام، أنّ النظام السوري فقَدَ كلّ أصدقائه في هذا العالم حتى يكاد لا يمرّ يوم من دون مواقف دولية وعربية مندّدة بجرائمه وفظائعه، مقابل تحامل هذا النظام على مصر والسعودية وقطر وتركيا...
وعليه، إنّ موافقة لبنان على ترؤس مجلس الجامعة العربية ناتجة عن قرار سوري يخدم المصلحة السورية ويسيء إلى دور لبنان، الأمر الذي يطرح مجدّداً أولوية إسقاط هذه الحكومة التي وظيفتها تنفيذ الأجندة السورية على حساب المصلحة اللبنانية.
ويبقى السؤال أخيراً: هل سيلتزم الوزير منصور الذي سيترأس اعتباراً من اليوم أعمال الدورة 138 لمجلس الجامعة العربية بتوجّهات لبنان أم سوريا وإيران؟ وما سيكون موقف رئيسَي الجمهورية والحكومة في حال رفض وزير الخارجية الالتزام بالتعليمات الرسمية؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك