"الراي الكويتية":
تتكثّف حركةُ الزيارات الخارجية في اتجاه لبنان الذي يقف أمام تحدي «مساعدة نفسه» عبر تسهيل مهمة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لإنجاز خريطة إصلاحات «لا مفرّ» منها لتمتدّ له «يد المساعدة» المالية الكفيلة لوحدها إخراجه من حفرةٍ تكاد أن «تبتلع» كل مقوّمات الدولة «القابلة للحياة».
وعلى وقع تَزامُن زيارات وزيريْ خارجية ألمانيا وقبرص والموفد الفرنسي السفير بيار دوكان لبيروت وترقُّب محادثات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مع كبار المسؤولين اللبنانيين اليوم، تعتبر أوساط واسعة الاطلاع أن نجاح «الممر الآمن» الذي يحاول المجتمع الدولي توفيره للبنان خروجاً من «جهنّم» يتوقف على مجموعة عوامل خارجية وداخلية أبرزها:
•تَكَيُّف المجتمع الدولي مع «مسلّمة» أن دول الخليج وفي مقدّمها السعودية باتت تقارب الواقع في «بلاد الأرز» وفق شعار «غير معنيين»، وهو ما «لَمَسَتْه» باريس، «عرّابة» حكومة ميقاتي بالتفاهم مع إيران، خلال محادثاتها المباشرة مع الرياض.
وإذ تكشف معلوماتٌ أن هذا «المناخ» السعودي خيّم أيضاً على الحوار بين طهران والرياض في العراق، تعتبر الأوساط العليمة أن هذا المعطى يعكس حجم الأضرار البليغة التي أصابت علاقات لبنان بدول الخليج جراء استسهال بيروت، سواء بفائض قوة بعض أطرافها إقليمياً أو «الواقعية المفرطة» لأطراف آخرين، إدارة الظهر لمصالح وأمن بلدانٍ لطالما شكّلت «حزام الأمان» لبلاد الأرز.
كما يطرح من جهة أخرى علامات استفهام حول مدى إمكان نجاح أي «خطة إنقاذ» دولية من دون قوة الدفع الخليجية الكفيلة نقْل الوطن الصغير من وضعية «منْع الموت» ومدّه بجرعات أوكسيجين على شكل قروض من صندوق النقد الدولي، إلى مرحلة الانتعاش والازدهار مجدداً.
ولا تُسقِط الأوساط نفسها في هذا السياق سؤالاً جوهرياً يتصل بكيفية توفيق الخارج بين رمي «حبل النجاة» للبنان وعدم جعْل ذلك باباً للمزيد من تعزيز «استحكامات» حزب الله ومن خلفه إيران في الوضع اللبناني الذي بات «في جيْب» طهران، إلا إذا كان هذا الخارج انتقل إلى التسليم بتفوّق إيران لبنانياً، وهو ما يبدو من المبكر استنتاجه في ضوء عدم اتضاح مآلات التحولات على رقعة شطرنج المنطقة وعملية «ترسيم النفوذ» فيها الموصولة بالجبهات الساخنة كما بالنووي الإيراني.
وفي حين ترى الأوساط عيْنها أن التقاطع الخارجي على اعتبار انتخابات 2022 النيابية في لبنان مدخلاً لتغيير فعلي «بالنظام» ربما يفسّر محاولة تصفيح الواقع الداخلي وصولاً لهذا الاستحقاق بحيث يكون المدخل لقلب المشهد السياسي وموازينه، فإن مصادر مطلعة تتعاطى مع مثل هذا الرهان على أنه أقرب إلى «الوهم».
وتستعيد هذه الدوائر تجربة مرحلة ما بعد 2005 حين فشلت، وأفشلت المعادلة التي حاولت عبرها قوى 14 مارس إحداثَ تَوازُنٍ «بالشرعية» (الغالبية النيابية) مع السلاح ووهْجه فانتهتْ بأنها لم تَحْكم مرةً ووجدت نفسها تنجرّ لتلعب في «ملعب» حزب الله وخياراته الرئاسية وصولاً لما سبق أن وصفه أحد رموز هذه القوى بأنه «تسليم صك الملكية» للحزب عبر قانون انتخابٍ منحه وحلفاؤه الأكثرية «بعدما كنا نمنّي النفس أقله بأننا أصحاب المنزل وهناك مَن صادره».
• وإلى هذه التحديات التي تواجه الحَراكَ الخارجي حول لبنان، لا تقلّ أهميةً «الرمال المتحركة» المحلية التي تحوط بهذا المسار، والتي يشكّلها اصطفافٌ خافت حتى الساعة على تخوم ملفات محورية في عملية الإنقاذ وإصلاحاتها (مثل قطاع الكهرباء)، وعلى صلب خطة التعافي التي يعمل لبنان على وضْعها لينطلق على أساسها التفاوض مع صندوق النقد الدولي وكيفية توزيع الخسائر وهيكلة القطاع المصرفي أو إصلاحه، وصولاً إلى موقف القوى الوازنة من «أًصل» هذا التفاوض وحدوده وفق ما بدأ يعبّر عنه علناً «حزب الله» الذي أكد أمس بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم «ليس لدينا موقف مسبق من اقتراحات أو إجراءات صندوق النقد، فما نجده مناسباً نأخذ به وما نجده غير مناسب نعترض عليه، وليس هناك قبول أعمى ولا رفض مطلق، وإنما نناقش التفاصيل من خلال الحكومة ونتخذ الموقف المناسب لما فيه مصلحة لبنان».
ولن تخرج عن سياق التحديات اللبنانية في طريق شقّ ممرّ الإنقاذ «الحروبُ الانتخابية» التي ستحكم الأشهر القليلة الفاصلة عن نيابية 2022 التي ستتحوّل «ساحاتِ انتقامٍ» ربْطاً بما رافق تأليف الحكومة من معارك طاحنة، وميدان سباقٍ للانتخابات الرئاسية، كما حلبةً لتكريس موازين القوى الحالية ومنْع كسْرها وفق ما يعلنه «حزب الله»، ناهيك عن رصْدِ آفاق العلاقات بين المكوّنات المتناقضة في الحكومة والتي تَحوّل بعضها «وصياً» على ملفات وقطاعات «برسْم الإصلاح»، وفي ظل حرص من رئيس الجمهورية ميشال عون على تظهير أنه «القائد الأعلى» للمفاوضات مع صندوق النقد ولو «توجيهياً».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك