مع انطلاق الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، صدر عن الصندوق تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي (World Economic Outlook) والذي يتم إعداده مرتين سنويا في نيسان وتشرين الأول، ويعرض تحليل خبراء الصندوق وتوقعاتهم بشأن تطورات الاقتصاد العالمي والاقتصاديات المحلية، كما يستخدم باعتباره الأداة الرئيسية لأنشطة الصندوق في مجال الرقابة الاقتصادية العالمية.
إلا أن التقرير لم يتضمّن توقعات اقتصادية أو مالية للبنان للعام 2021 أو لعام 2022 في ظل ضبابية المشهد الداخلي، وهذه المرة الأولى التي يحجب فيها الصندوق إطلاق توقعات للبنان. في المقابل، أصدر البنك الدولي تقريراً مقتضباً حول لبنان توقع فيه تقلصاً في الناتج الإجمالي المحلي الفعلي بنسبة 10.5% في العام 2021 بعد ما كان قد سجّل انكماشاً نسبته 21.4% في العام 2020، علماً أنه يبدأ تعريف الكساد الاقتصادي (Depression) بتقلص يتجاوز الـ10% في الناتج الفعلي. إذ تظهر أبرز المؤشرات استمراراً في تقلّص النشاط وان على نحو أبطأ.
في هذا السياق، توقّع البنك الدولي ان يتقلّص الاستهلاك الخاص بنسبة 5% في العام 2021 وان ينكمش الاستهلاك العام بنسبة 43.5% واستثمارات رأس المال الثابت بنسبة 26.3%.
كما توقع البنك الدولي أن يصل التضخم في الأسعار في لبنان إلى 130% في العام 2021 نتيجة تدهور سعر الصرف ورفع الدعم عن المواد الأساسية وارتفاع أسعار النفط عالمياً.
من ناحية أخرى، يرى البنك الدولي أن العجز في المالية العامة سيتراجع إلى 3.0% من الناتج في العام 2021، فيما يتوقع البنك أن يبلغ العجز في الحساب الجاري إلى الناتج 10.1% في العام 2021 بعد أن كان قد بلغ 21.2% في العام 2019.
تعليقاً على هذه التوقعات، قال كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة الدكتور مروان بركات، من المؤسف أنه بينما أغلب بلدان العالم عموماً وكل بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خصوصاً تشهد تعافياً من التقلصات التي خلّفتها جائحة كورونا في العام الماضي حيث بدأت تسجّل نسب نمو إيجابية ملموسة هذا العام، يشهد لبنان جولة جديدة من التقلصات في ظل شبه غياب الاستثمار (المجاميع الاستثمارية عند أدنى مستوياتها منذ الحرب الأهلية) وضعف الاستهلاك الحقيقي (في ظل هبوط حاد في المداخيل الحقيقية للأسر)، في حين أن إنفاق الدولة لا يمكنه التعويض عن ذلك بسبب متطلبات ضبط أوضاع المالية العامة والتي تأتي توازياً مع الحاجة إلى اعتماد سياسات التقشف.
واضاف: في المحصّلة، انكمش الاقتصاد الحقيقي في لبنان بنحو الثلث خلال فترة عامين، ما أسفر عن أحد أكبر التقلصات في دخل الفرد عالمياً خلال عقود وجعل البنك الدولي يصنّف الازمة اللبنانية بين أشرس ثلاث أزمات عالمياً منذ بداية القرن الماضي.
إلّا إنّ تأليف الحكومة الجديدة جاء ليشكّل بعض الشيء متنفساً للبنان وفق بركات، الذي قال: في حال تم التوصل إلى ابرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإطلاق الإصلاحات الجدّية وتأمين الدعم الدولي المنتظر، نتوقع نمواً إيجابياً في الناتج المحلي الحقيقي في العام 2022 بما يناهز الـ5%، وذلك انطلاقا من قاعدة ضعيفة في العام الحالي، وبدعم من الاستهلاك الخاص والطلب الاستثماري، ما قد يسهم في تحسن نسبي في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية عموماً، ويضع لبنان على مسيرة النمو الإيجابي مجدداً.
وتابع: في الانتظار، فإن الأسواق المالية تعطي بشكل أو بآخر فترة سماح للحكومة الجديدة بانتظار تنفيذ الإصلاحات الموعودة والاتفاق مع الصندوق.
وعن شروط صندوق النقد الدولي، اوضح بركات أن الصندوق سيوفّر الدعم للبنان في حال تم التوصّل إلى اتفاق متكامل مع الحكومة اللبنانية يستند على عدد من النقاط أبرزها: الاتفاق على حجم الخسائر وتوزيعها على مختلف العملاء الاقتصاديين، إلغاء جميع أنواع الدعم، تشريع قانون الكابيتال كونترول، توحيد أسعار الصرف المختلفة، التحضير لموازنة تقشفية تستهدف عجزاً لا يتجاوز 2% من الناتج المحلي الإجمالي، إصلاح قطاع الكهرباء، إصلاح القطاع المصرفي من أجل تعزيز الحوكمة وقدرته على مواجهة الضغوط والعمل على استعادة دوره كعميل ذو مصداقية بنّاءة يعوّل عليها.
وفي حال توفّرت مجمل هذه الشروط وصدقت النوايا على صعيد واضعي السياسات في الداخل، قال بركات: يمكن للبنان ان يتوصّل إلى إبرام اتفاق تاريخي مع صندوق النقد الدولي يعطيه دور محوري في مراقبة تنفيذ الإصلاحات بشكل يحفّز المانحة، ما يمهّد الطريق أمام إجراء تحوّل جوهري وانعكاس للنمط السائد منذ فترة في الاقتصاد الوطني بشكل عام، ما يساهم في احتواء المخاطر الكامنة ويشكّل شرط أساسي للنهوض الاقتصادي على المستوى المتوسط والطويل.
مـــــــــقـــــــــالات ذات صـــــــــلـــــــــة
إقــــــرأ أيــــــضــــــاً
COOKIES DISCLAIMER
This website uses cookies to give you the best experience. By continuing to
browse this site, you give us your consent for cookies to be used.
For more information, click here.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك