جاء في "المركزية":
بعد مرور سنتين على انطلاق ثورة 17 تشرين، تراهن مجموعات الثورة على الانتخابات النيابية المقبلة لإحداث التغيير المنشود وتحقيق هدف جديد في مسار المواجهة مع المنظومة الحاكمة. إلا أن حوالي خمسة أشهر تفصل البلاد عن هذا الاستحقاق في حين أن الأوضاع تزداد سوءاً على مختلف الصعد، لا سيما المعيشية منها، في حين أن مظاهر الاحتجاج العلنية غائبة من اعتصامات ميدانية حاشدة وغيرها... فهل يمكن أن يتحمّل المواطن حتّى موعد 27 آذار 2022؟ وإلى أين يمكن أن تصل الأمور؟
اعتبر المدير التنفيذي لـ"ملتقى التأثير المدني" زياد الصائغ عبر "المركزية" أن "أوّلاً، من الواضح أن حالة المواجهة مع المنظومة تطوّرت من اقتصارها على المربع المعيشي - الاقتصادي - الاجتماعي، لتنتقل إلى مربع المواجهة حول هوية لبنان ودوره وسيادته بحصرية السلاح في يد الدولة واحترام وتطبيق الدستور. إذاً، أي قراءة لا تأخذ في الاعتبار تطوّر المواجهة مع المنظومة إلى المستوى الكياني للبلاد تكون مبتورة ومسطّحة. ثانياً، الدولة في حالة انحلال، لكنّ أحداث الخميس الماضي المأساوية أعادت إلى الشعب اللبناني هاجس تفكك النسيج المجتمعي وإمكان استثمار فائض القوة لدى قوى الأمر الواقع التي تصادر الدولة وتستبيحها لتحويلها إلى حالة اشتباك ميداني مع استنفار الغرائز المذهبية والطائفية. أمّا البعد الكياني المرتبط بهوية البلاد وهذا المستجد، فيضاف المستوى الثالث وهو تفاقم الأزمة المالية - الاقتصادية - الاجتماعية الذي كان متوقعاً، خصوصاً في ظلّ حكومة غير مسؤولة تشبه السابقة لا بل أسوأ، والدليل كلام رئيسها الواضح أكثر من مرة عن أنه حزين على استباحة السيادة ويأسف لاشتباكات 14 تشرين وسقوط الضحايا. رابعاً، قال رئيس الحكومة بدأ العمل على خطّة التعافي، لكن ما من معالم واضحة للجم الانهيار الاقتصادي - المالي المستمر. بهذا المعنى نحن أمام حكومة ورئيس لها غير متنبهين إلا لكيفية الحفاظ على شكل السلطة التنفيذية، خصوصاً بعدما قال ميقاتي إنه لن يدعو لعقد جلسة طالما لا توافق على المخارج للأزمة السياسية، ليكون استقال كلياً من دوره. هذه العناصر الأربعة تجعل حالة الانهيار الاقتصادي - الاجتماعي-المالي طبيعية جدّاً".
وبناءً عليه، لفت الصائغ إلى أن "لوم الناس على عدم نزولهم إلى الشارع خطأ في حقهم، إذ لا يمكن حصر التغيير بالتحركات الميدانية، وفكرة أنه يتم عبر التظاهر ورفع الصوت كانت مرحلة مرت فيها الثورة في الأشهر الستة الأولى من انطلاقها، واستنزفت، وتبيّن أنها تعرضت لقمع واستدعاء ناشطات وناشطين وتعرضت للرصاص المطاطي والحي ولاختراقات الأجهزة ولتدمير ساحتي اللعازارية والشهداء عند اعتداء القمصان السود عليهما، كل هذا مع الانهيار الاقتصادي-الاجتماعي وهذا لا يشجّع على اعتبار أن التغيير يكون فقط في الشارع".
وتابع الصائغ: "أوّلاً، انتقلنا إلى حالة أخرى من المواجهة وهي تشكُّل أدوات معارِضة ومقاوِمة للمنظومة في أطر سياسية منظّمة، حيث نشأت تحالفات وائتلافات وجبهات. ثانياً، لا تملك هذه التشكّلات الجديدة إلا قدرتين: الأولى، أن تحافظ على البوصلة الواضحة في مواجهة المنظومة في العناوين السيادية والاصلاحيّة. أوّلاً موضوع الدولة المدنية والمواطنة في مواجهة إعادة استنفار الغرائز المذهبية والطائفية. ثانياً يتعلق بالموضوع السيادي، وثالثاً إعادة تكوين السلطة لاسترداد الدولة ويعبّر عنه في الانتخابات النيابية المقبلة. والثورة معنية في مقاربة هذه العناوين الثلاثة الأساسية".
بهذا المعنى، رأى الصائغ أنّه "من غير الصحيح أن المواطنين لا يتحرّكون بل يفعلون ضمن الأطر المتاحة لهم لإنجاز عملية تغيير راديكالي وبمواجهة كاملة. ومن غير العادل القول بخمود حالة الثورة، بل هي انتقلت إلى مكان آخر هو المواجهة السياسية الشاملة مع المنظومة حيث يتفوق بُعد النضال من أجل تحرير هوية لبنان ورسالته من الحلف الأسود، ثانياً استرداد الدولة من المنظومة، بعدها تأتي قضية السياسات الاقتصادية والاجتماعية، إذ بدا واضحا أن هناك من حاول إخبار اللبنانيين بأن الإصلاحات لها الأولوية مع ترك المنظومة تهتم بهذه المهمة. ليتبين أن تحالف المافيا والميليشيا خاطف البلاد وأي كلام عن إصلاحات تفصيلي ولا معنى له في هذه المرحلة قبل تحرير البلاد".
وفي ما خصّ الحديث عن انتظار اللبنانيين حتى موعد الانتخابات، أوضح أن "هذا ليس انتظارا، لكنه تطوّر نوعي ومسار مستمر في المراكمة في عملية التغيير والمواجهة. المنظومة هي من ينتظر ويراهن على خضوع الشعب بينما هو مستمر في عملية المواجهة. لا يمكن الطلب منه النزول إلى الطرقات في ظلّ تعريته من كل مقومات الصمود، والتغيير لا يحصل بهذه الطريقة، ففور نزول المواطنين إلى الشارع سيستغل طرف ما هذا الواقع لخلق إشكالات، خصوصاً مع التهديد بفرط السلم الأهلي وإنهاء التحقيق، أو ستوضع القوى الأمنية والعسكرية في مواجهة المعتصمين. على العكس، الناس وتشكلات الثورة اختارت المقاومة السلمية الهادئة، الشارع أحد عناوينها لذا نرى تحرّكات رمزية باستمرار وليس قوة استعراضيّة بالمعنى العددي. وتكتمل عناوين المواجهة طالما التحركات الميدانية قائمة وطالما سقف المواقف عال مع الدور الجديد المستجد للاغتراب في هذه المرحلة، يضاف إليها عودة الكلام عن العقوبات على المنظومة في وقت كانت تتوقع أن هذه الحكومة فترة سماح لها، إلا أنها انتهت".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك