تحت عنوان"ممارسات السياحة المستدامة للوزارات والجهات الحكومية في المناطق الجبلية في لبنان"، إنعقدت ورشة عمل في مركز طيران الشرق الاوسط للتدريب والمؤتمرات بين برنامج الامم المتحدة الانمائي مشروع تحييد أثر تدهور الاراضي للمناظر الطبيعية الجبلية المنفّذ بالشراكة مع وزارة البيئة بحضور وزراء البيئة ناصر ياسين والثقافة محمد وسام مرتضى وممثلة وزير الشباب والرياضة ميرنا صبرا ومديرة UNDP في لبنان سلين مويرو ورئيس مجلس ادارة الميدل إيست محمد الحوت والمدير العام للآثار سركيس خوري وعدد من الشخصيات والناشطين في مجال البيئة والسياحة.
إفتتحت الورشة بالنشيد الوطني اللبناني، ثم قدمت مديرة مشروع "تحييد أثر تدهور الاراضي للمناظر الطبيعية الجبلية" لارا كلاس لمحة عن طبيعة المشروع واهمية تنشيط السياحة المستدامة والسياحة الطبيعية.
مويرو
وتحدثت مديرة UNDP سيلين مويرو التي قالت "يسعدني جدًا أن أكون هنا في ورشة العمل هذه حول ممارسات السياحة المستدامة ضمن مشروع تحييد تدهور الأراضي للمناظر الطبيعية الجبلية في لبنان، وهو مشروع مموّل من مرفق البيئة العالمية ويستمر منذ ما يقرب من عام ونصف عام في شراكة وثيقة مع وزارة البيئة.
إن حضوري هنا اليوم مع ثلاثة وزراء من قطاعات مختلفة للغاية ولكنها مترابطة هو شرف لي وأود أن أشكر أصحاب السعادة بصدق لتوحيد قواهم اليوم فيما لا يمكننا وصفه إلا بأنه نهج متكامل حقًا لإدارة الموارد الطبيعية".
واضافت"هذا النوع بالضبط من الالتزام والتنسيق بين البيئة هو الذي يسعى إلى حماية التنوع البيولوجي في لبنان، والسياحة، التي تعزز البيئة كقطاع اقتصادي مع الحرص على عدم استغلالها ، والثقافة، التي هي جزء لا يتجزأ من الموارد الطبيعية. هذا النهج يميّز المفهوم الحقيقي للتكامل، نهج متكامل للإدارة البيئية حيث يفوز المجتمع والبيئة نفسها والاقتصاد مع ضمان الاستدامة للمستقبل. يتماشى هذا تمامًا مع أهداف التنمية المستدامة التي تدعم الأمم المتحدة لبنان لتحقيقها ، وممارسات السياحة المستدامة هي إحدى الطرق للمضي قدمًا في العديد من هذه الأهداف".
ورأت مويرو " أن إتخاذ هذه الخطوة معًا يُعد تعزيزاًللسياحة المستدامة وأمرًا أساسيًا لمكافحة تدهور الأراضي وهو الهدف الأساسي للمشروع الذي نقوم بتنفيذه، تدهور الأراضي ، والذي يمكن تفسيره على أنه تدمير القدرة الإنتاجية للأرض والذي ينتج عنه ضرر لا رجعة فيه للنظم البيئية الطبيعية"، معتبرة "أن التخطيط غير المستدام والضعيف على المستوى المحلي يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية، وانخفاض فرص الترفيه والسياحة، ويؤدي في النهاية إلى انخفاض قيمة الأراضي والممتلكات. للأسف، يدمّر تدهور الأراضي رفاهية سكان الريف الذين يعتمدون على هذه الخدمات في معيشتهم".
وأكدت "أننهج تحييد تدهور الأراضي هو نهج شامل لإدارة الأراضي يضمن وقف التدهور واستخدام الأرض في الأنشطة الاقتصادية ولكن في انسجام مع النظام البيئي الطبيعي. وإن الحلول القائمة على الطبيعة والنهج الاقتصادي المستدام مثل تلك التي سيتم تقديمها اليوم هي ركائز في الخطة الإستراتيجية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للفترة 2022 - 2025. ومن خلال تعزيز السياحة المستدامة مع وزارات البيئة والسياحة والثقافة، نأمل بصدق أن تتعزّز البيئة الخضراء المستدامة وتعزّز التنمية في لبنان، لا سيما وأن السياحة تساهم بقوة في الناتج المحلي الإجمالي للبنان".
وختمت"أود أن أشكر مرة أخرى أصحاب السعادة على اتخاذ هذه الخطوة الأولى نحو رؤى أكثر استدامة للبنان ونأمل أن نتمكن معًا أيضًا من العمل على استكمال الاستراتيجية الوطنية للسياحة الجبلية المستدامة أيضًا.وآمل بصدق أن يصل هذا المشروع إلى أهدافه العامة حتى يتمكن لبنان من التحرك نحو المزيد من السياحة القائمة على الطبيعة ويمكن أيضًا تزويد المجتمعات المحلية بمصادر جديدة لكسب العيش تكون مستدامة وطويلة الأجل".
بعدها كانت كلمة وزير البيئة ناصر ياسين الذي قال"ان غياب التخطيط المتكامل لاستخدام الأراضي وعدم وجود استراتيجياتسياحة محلية ومناطقية شاملة في المناطق الجبلية في لبنان من الاسباب الرئيسية التي تؤدي إلى تدهور وتردي حالة المقومات والموارد الطبيعية والتي تقدّر خسائرها بأكثر من 135 مليون دولار سنوياً؛ وتفاقم الازمة الاقتصادية-المالية وانعكاساتها المعيشية على الرأسمال الطبيعي حيث بتنا نرى مؤخراً حالات متزايدة من القطع الجائر للأشجار وحرائق الغابات والرمي العشوائي للنفايات، وكلها تُجهز على ثرواتنا الطبيعية والتنوع البيولوجي. أدى كذلك نمو قطاع السياحة الداخلية خلال السنوات القليلة الماضية، في ظل عدم وجود بنية تحتية وحوكمة مناسبة لهذا القطاع، إلى نشاطات غير مستدامة تتسبب في تدهور الأراضي واستنزاف الموارد الطبيعية بالإضافة إلى تعاظم التلوث وفقدان الموائل وتدمير المناظر الطبيعية وتجزئتها".
وأضاف "اننا نعي أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي واهميةالتخطيط والإدارة السليمة للموارد الطبيعية التي وجبحمايتها وتعزيزها كمدماك اساسي في تطوير الاقتصادات المحلية، هذا الرأسمال الطبيعي سيكون الارضية الحقيقة والصلبة للتعافي، ما نطلق عليه نهج التعافي الاخضر، حيث نهدف في وزارة البيئة ضمن التوجهات الاستراتيجيةالى الحد من التلوث البيئي والاستثمار الحكيم والمستدام في هذه الموارد الطبيعية لتنشيط الاقتصاد وتطوير الرأسمال البشري في المجتمعات المحلية. هذا النهج ليس نظريًا بل نقوم بخطوات عملية في هذا المجال ونعمل على تعميمها في الاشهر القادمة. مثلاً، نعمل على تطوير ادارةالمحميات الطبيعية كمثال على هذا النمط المستدام فمن خلال حمايتها وادارتها نعزز السياحة في الطبيعةوالسياحة البيئية والثقافية".
وتابع وزير البيئة "في هذا الاطار نطلق اليوم فعاليات مشروع تحييد أثر ترديالأراضي الطبيعية الجبلية في لبنان، بالتنسيق والتعاونمع وزارة السياحة، وبدعم من برنامج الامم المتحدة الانمائي حيث سنعمل على إعداد "الإستراتيجية الوطنية للسياحة الجبلية المستدامة في لبنان"؛ يحتاج نجاح هذه الاستراتيجية إلى مستوى عالٍ من الالتزام من قبل الشركاء المحليين والوطنيين؛ وهذا ما نعمل عليه مع وزارة السياحة كمثال في التنسيق والتعاون بين الوزارات والمؤسسات العامة فيما يتعلق بالشؤون والقضايا البيئية، وفي هذا الاطار نعمل على تعزيز التعاون مع وزارات الداخلية، والطاقة، والزراعة، والصناعة والتنمية الادارية والنقل وغيرها من الادارات نظراً لتأثير جميع النشاطات في مختلف القطاعات على البيئة والموارد الطبيعية، وكذلك العمل المباشر مع السلطات المحلية والمجتمع المدني والاهلي".
وختم "ليس اليأس قدرًا ولن نجعل الازمات المتعددة تُفقدنا الامل، بل سنجعلها تحديًا لنا لجعل نهج التعافي مبتكرًا مبنيًا على حماية البيئة واستدامتها، معززاً للطاقات المحلية وممكنا لها، مطورًا للرأسمال البشري المحلي هادفا الى اثباته في ارضه ومجتمعه".
في الختام كانت كلمة وزير الثقافة محمد مرتضى وجاء فيها "في كتابه "أسطورةُ العَوْدِ الأبدي" يفصِّلُ الفيلسوف الروماني "مِرْسِيا إلياد" موقف الإنسانية في بدايات الوجود من الطبيعة فيقول: "ما تُنْتِجُه الطبيعةُ وما يصنعُه الإنسان، لا يجد حقيقتَه ولا هوِيَّتَه، إلا بمقدار نصيبه من حقيقةٍ متعالية. والفعلُ لا معنى له ولا حقيقةَ إلا أن يكون تكرارًا لفعلٍ بدئي prototype". هذا يعني أن الطبيعة عند الإنسان الأول كانت مرتبطةً بمفهوم المقدّس، ولهذا وقف خاشعًا أمامها متأملًا فيها ومعتنيًا بها، ليس لأنها مسكنُه وموردُ رزقِه وبيئةُ معيشته فقط، بل لأنها قبل كلِّ شيءٍ صورةٌ طبقُ الأصل عن الخَلْقِ الأول، أو بالأحرى الخليقةِ الأولى. من هنا كان الاعتناء بالطبيعة لدى الإنسان القديم وسعيُه الدائم إلى المحافظة عليها فعلَ إيمانٍ وواجبًا مقدَّسًا.
الآن تبدَّلَت هذه المفاهيم كثيرًا. لم تعد نظرةُ إنسانِ اليومِ إلى الطبيعةِ كما كانت. فالتطور المتسارعُ الوتيرةِ الذي أصاب الحياة البشرية، من نموٍّ في عدد السكان وتحديثٍ في وسائل الإنتاج والمواصلات وسوى ذلك من مستلزمات الحداثة، فرَضَ واقعًا جديدًا في التعامل مع الطبيعة بعيدًا عن فكرة القداسة. حتى أصبحَ العبَثُ بها قاعدةً متَّبَعة، وفعلُ تشويهِها المتعمَّدِ عادةً تتكرَّرُ في أكثرَ من دولة. ولا ننجو نحن اللبنانيين من إثم هذه العادة، فبَلَدُنا الذي خصَّهُ الخالقُ جلَّ جلالُه بأبهى المناظر وأطيبِ المـُناخات سَطَتْ عليه يدُ الإنسان بآلاتِ دمارها وأمعنَتْ فيه تخريبًا".
واضاف مرتضى "تحتَ هذا العنوان ومشتقّاتِه تأتي ورشة عملكم التي سوف تتدارسون فيها الواقع وتضعون الخططَ العلميةَ لمجابهتِه بغيةَ تحييد أثر تدهور الأراضي على المناظر الطبيعية. هذا عملٌ ثقافيٌّ بامتياز، لأنه يرمي إلى نشر ثقافةٍ راقيةٍ هي حمايةُ الطبيعة في لبنان الغنيِّ أصلًا بالمناظر الطبيعية. إنه استثمارٌ في الإنسان منتِجٌ كثيرًا للاقتصاد الوطني، سواءٌ عبر السياحة البيئية للمواطنين والأجانب، أم عبرَ تنمية الالتزام الفرديّ والجَماعي بقضايا الطبيعة وحمايتِها، أم عبر تقليص سلّاتِ الإنفاق الحكومي خصوصًا في الاستشفاء، لأن الطبيعة النقيةَ تُبْعِدُ كثيرًا من الأمراض عن الأرواح والأبدان. هذا يتطلَّبُ وعياً عامّاً وسياسةً حكومية حمائيةً، وخطة طويلةَ الأمد لتنفيذها".
وأعلن "ان وزارة الثقافة تعتبر نفسها مسؤولة مسؤولية مباشرة على مستوى بث ثقافة الوعي المجتمعي.. ومن أوجه هذا الوعي المنشود هو الوعي للبيئة واهميتها ودورها في الانعاش الاقتصادي والتعافي الصحي والصورة الحضارية والوعي ايضاً الى وجوب جعل حماية البيئة من اولى الأولويات.
وبمناسبة ما ذكرته لجهة السياحة البيئية للمواطنين والأجانب لا يسعني الاّ أن افتح قوسين لأقول الآتي (معالي الوزير ياسين زار في الأسبوع الماضي محميات منها جبل الريحان في قضاء جزين كما بادر الوزير نصار الى اطلاق نشاط سياحي استكشافي للطبيعة في بلاد جبيل نحن نثمّن مقاربة ومبادرات معالي الوزيرين وأنا كلبناني وكوزير لديّ كل الثقة بأنهما أحسن من يمكن أن يؤدي هذه المهمة وهي مهمة السير بلبنان في اتجاه نجاح سياحي وتعافي بيئي)".
وختم وزير الثقافة"اسمحوا لي بأن أذكِّرَ بالمثلِ الهنديِّ القائل: "نحنُ لا نملِك الأرض. لقد استعرناها من أجدادِنا كي نسلِّمَها نقيّةً لأبنائنا" واسمحوا لي ايضاً أنا الآتي الى العمل الوزاري بخلفية قضائية بأن أضيف "من يبدِّدِ العاريةَ يرتكبْ جُرْمَ إساءةِ الائتمان الذي يعاقبُ عليه القانون".
وبعد فترة استراحة إنعقدت جلستان بإدارة الخبير في السياحة البيئية باسكال عبدالله تمحورت الاولى حول السياحة المستدامة فيما تمحورت الثانية حول تطوّر السياحة الريفية وسياحة الطبيعة والسياحة الجبلية في لبنان، أعقبها حوار.
وكان الوزراء جالوا برفقة رئيس مجلس ادارة الميدل إيست على مركز طيران الشرق الاوسط للتدريب والمؤتمرات وقاعاته المستحدثة، وأبدوا إعجابهم بما تمّ إنجازه. وكان تعليق من وزير الثقافة حول ما أنجزه السيد محمد الحوت حيث قال "الحوت لا يطير لكنه يجعلك تحلّق، والقطاع الخاص قادر على العمل ويجسّد قدرات اللبناني وغير مكبّل كالعمل العام".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك