كتب جان نخول في موقع mtv:
بقيت حتى الثواني الأخيرة، قبل صدور الحكم بحق الأب منصور لبكي، بعض الآمال في قعر اللاوعي، ليس بهدف تبرئة مجرم ولا من أجل تخطي العدالة، بل من أجل أن تكون هذه الاتهامات كلّها بحق كاهن رافقنا لسنوات طويلة في الكنيسة والإعلام والترانيم وغيرها، باطلة وغير صحيحة، ونوعا من مؤامرة عليه وحملة تجنٍّ لا أكثر ولا أقل.
تلاشت هذه الآمال في المرة الأولى عند تمييع القضية في لبنان، وانطفأت نهائيا عند صدور الحكم في فرنسا غيابيا، بالسجن ١٥ عاما بحق لبكي، الذي طبعا لن تسلمه السلطات اللبنانية ولن تحاكمه بنفسها بعدما تغاضت عن الموضوع في المرة الأولى حين كان الملف بيدها.
طبعا، سيخرج كثيرون للاعتراض على الحكم، والاعتراض على من تبنّى الحكم من الجمهور. وستنقلب القضية طائفيّة، وستصبح معركة أخلاقية بين دعاة "المؤامرة الكونيّة بحقّ لبكي" وبين المدافعين عن الحكم وخلفيّته في حقوق الإنسان.
بعض الملاحظات والنقاط في ما يتعلق بحكم منصور لبكي، واعذرونا إن خلعنا عنه صفة الأب في الكلام، لأن الحكم لا يترك مجالاً لأن نعتبره رجل دين بعد اليوم.
- لا يمكن بعد هذا الحكم المبرم بالأدلة والبراهين والشهادات المؤلمة التي سُجّلت أن يكون هناك من يدافع عن منصور لبكي. التحرش والاغتصاب جريمة، لا بل جريمة مضاعفة عندما تكون الضحية تحت السن. وجريمة مضاعفة عشرات المرات عندما يكون موقع الجريمة حضن "الأب" في وقت الاعتراف. حوّل منصور لبكي سرّ كهنوته إلى عار.
- من يعتبر أنّ الملف رُكّبت أو الشهادات لُفّقت أو الذمم اشتريت من أجل اتهام منصور لبكي وإدانته كمن يعتبر أن فيروس كورونا صمّمه بيل غايتس للسيطرة على عقول الناس. لو كان بريئاً لما خاف من مواجهة عدالة فرنسا، أو كان اقتدى بالمسيح، ولو كان مظلوما.
- الحكم في فرنسا يذكّرنا إلى أيّ حد أصبح القضاء في لبنان حصّةً من حصص الطوائف والمتسلطين. مضحكة هي براءة منصور لبكي في لبنان، مع قضاته على شاكلة حبيب مزهر أو فاطمة جوني أو غادة عون. ومضحك أكثر إدانته في فرنسا بالأدلة والبراهين من دون أيّ شك. تحيّة لهذا القضاء النزيه الذي يتحلل يوما بعد يوم.
- هناك في لبنان من يدافع عن منصور لبكي من منطلق جندري. غريب كيف أنّنا لم نجد امرأةً تعارض الحكم، في حين أن المعترضين من الرجال. ربما علينا أن نعيد النظر في مفهوم التحرّش بكامله، لأنّ كثيرين لا يفهمونه. وهناك من يدافع عن لبكي من منطلق ديني. "استروا علينا يا شباب ما تخلّو المحمودات يشمتوا فينا". هؤلاء لا يفهمون من الدين سوى ناحيته الديمغرافيّة في الانتخابات، والاجتماعيّة في الوجاهة. وهناك من يتعامل مع القضيّة باعتبار أن رجال الدين لا يُمسّون، وأن البطريرك مار بشارة الراعي نفسه اعتبر ما حصل حملة تجنٍّ. هؤلاء لا يميّزون بين الله وبين رجاله غير المعصومين عن الخطأ.
في الختام، رسالة إلى البطريرك الراعي. إذا كنت فعلاً حريصاً على كنيستك وعلى أبنائها، وعلى انتمائهم لها، ارفع "الحصانة" الكنسيّة عن مجرم متحرّش بأطفال، مع كلّ ما تسبب ذلك لهم من أذى وضرر وعذاب. إذا سكتت عن الموضوع، فأنت شريك بهذا الجرم معه. وهذا الكلام على مسؤوليّتي الشخصية. لا يمكن للكنيسة أن تجّرم الطلاق أو المثليّة أو المساكنة، وتغطي مجرماً له ضحايا بالعشرات في المدارس التي كان مسؤولاً عنها. لا يمكن أن يكون الفاتيكان حريصاً على محاربة الاغتصاب والتحرّش في الكنيسة، ويكون لبنان بعيداً عن هذا المنطق. وعلى فكرة، أنا مؤمن ولست من "المتآمرين على المسيحيّة والمروّجين للإلحاد". سلام.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك