كتبت راجانا حمية في "الأخبار":
ما من خاسرٍ في «معركة» الدواء سوى المرضى. في الأزمة الأخيرة التي حلّت بالقطاع الصحي والأدوية، وحدهم من تحمّلوا عبء فقدان الدواء، وبعضهم خسر معركته في مواجهة المرض، فيما المستفيدون مما حدث في القطاع كانوا كثراً، من مستوردي وتجار الأدوية إلى أصحاب المستودعات إلى الصيادلة الذين استغلوا حاجة الناس فباعوهم الأدوية بأضعاف أسعارها.
قبل أيام، وفي عزّ أزمة انقطاع الأدوية، عمد بعض المستودعات، وأحدها يملكه أحد الصيادلة، إلى «الإفراج» عن نحو 300 دواء ومستحضر وحليب للأطفال دفعة واحدة، مع «اقتراب الكثير منها من موعد انتهاء صلاحيتها»، على ما يقول بعض الصيادلة الذين وصلتهم لائحة الأدوية «المتوافرة». واللافت في تلك الأدوية التي ظهرت فجأة أن «معظمها لا تزال الأسعار القديمة عليها، فيما تباع بالأسعار الجديدة»!
طوال عمر الأزمة، كان هؤلاء جزءاً لا يتجزأ من الذين أخذوا المرضى رهينة، بدءاً من مصرف لبنان وصولاً إلى المستوردين والتجار الذين أوقفوا منذ أربعة أشهرٍ استيراد معظم الأدوية ومنها أدوية الأمراض المزمنة. أما أدوية الأمراض السرطانية، والتي أعلن أمس وزير الصحة العامة فراس الأبيض عن عودتها، مشيراً إلى أنه سيصل إلى مركز الكرنتينا بحدود 40 دواء «ستؤمن انفراجة قريبة»، فقد قطع هؤلاء «خبرها» لفترة طويلة للضغط على مصرف لبنان وإجباره على تسديد مستحقاتهم السابقة. وإذ يعودون اليوم لاستيرادها، فلا أحد يعرف متى تعود إلى الانقطاع، خصوصاً أن ما يعطيه مصرف لبنان لدعم هذه الأدوية ليس ثابتاً ومستقراً. وقد وصلت المبالغ التي يصرفها المصرف اليوم إلى 70 مليون دولار مجزأة ما بين 35 مليوناً كبدل عن مستحقاتٍ سابقة و35 مليوناً أخرى للأدوية والمستلزمات الطبية. وبحسب «العرف» الذي يتبعه مصرف لبنان، يقتطع مبلغ 10 ملايين دولار للمستلزمات والأدوات الطبية، و18 مليوناً تقريباً لأدوية الأمراض السرطانية، فيما الملايين المتبقية يفترض أن تكون لدعم أدوية الأمراض المزمنة.
إلا أنه على ما يبدو لم تعد تلك القيمة المتبقية تكفي لدعم «كل» أدوية الأمراض المزمنة، وهو ما دفع بوزارة الصحة، على ما يؤكد الأبيض «آسفاً»، إلى الإعلان رسمياً عن ترشيد دعمها. ما يعني أن الدعم لن يكون على «كلنّ يعني كلّن»، بل سيكون متفاوتاً بحسب كل شريحة، بحسب سعرها. وفي هذا السياق، أعلن الأبيض أمس القرار بإعداد لائحة بنسب «التخفيض» بحسب الشرائح، والمرجح أن يبقى الدعم على الأدوية ذات الأسعار الباهظة بحدود 65 في المئة، فيما تقل نسبة الدعم على الأدوية المتوسطة السعر إلى ما بين 40 و45 في المئة، وتنخفض نسبة الدعم على الأدوية ذات الأسعار الرخيصة إلى ما بين 25 في المئة و30 في المئة.
وفي سياق هذه التخفيضات، تطرق وزير الصحة إلى إجراءات «تخفف» من وطأة رفع الدعم، على قاعدة زيادة الدعم للمواد الأولية التي تدخل في صناعة المستحضرات والأدوية المحلية، بما يعزّز قيمة التخفيض في أسعار تلك الأدوية، وتوسيع برامج أدوية مراكز الرعاية التي تعدّ ما يقارب 250 مركزاً، يستفيد منها بحسب الأبيض ما يقرب من 350 ألف مريض.
لكن، على رغم تلك الإجراءات، ثمة هاجسان أساسيان، أولهما أن معظم المرضى باتوا دون خط الفقر ما يعني أنهم لن يكونوا قادرين على تحمل تبعات هذا الترشيد، وهذا أسوأ من الانقطاع، أما الهاجس الآخر فيتعلق بمستوردي الأدوية والتجار، وما إذا كان الترشيد سيشجعهم على استيراد الأدوية، أو على الأقل إخراج ما في مستودعاتهم ومخازنهم؟
إلى ذلك، أعلن وزير الصحة عن ضبط 22 صيدلية ومستودعاً تحتكر الأدوية وإحالتها إلى القضاء، مشيراً إلى أن هذا الرقم «سيتضاعف مع إطلاق برنامج المكننة في غضون شهرٍ ونصف شهر». كما أعلن توسيع أحد البرامج مع البنك الدولي لتغطية الفروق التي يدفعها مرضى وزارة الصحة في المستشفيات. حيث من المفترض أن تلامس التغطية «ثلاثة أضعاف ونصف بحسب البرنامج الذي تبلغ قيمته حوالى 18 مليون دولار».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك