كتب أنطون الفتى في "أخبار اليوم":
المنطقة والعالم في مكان، ولبنان في آخر، بين لبنانيّ يعوّل على التركي أو القطري، وآخر على العربي والخليجي، وآخر يعوّل على الإيراني، في الوقت الذي يُظهِر فيه الواقع أن العرب وتركيا وقطر وإيران... كلّهم منظومة واحدة، تعرف حدود اللّعبة في ما بينها، وحدود المنافسة بين بعضها البعض، والساحات التي يُمكنها أن تلعب فيها مع بعضها البعض، أو ضدّ بعضها البعض، فيما بعض اللبنانيين ينتظر التلاعُب على حبال التباينات العربية - التركية، أو الخليجية - القطرية، أو التركية - الإيرانية، أو (على حبال) الصّراعات العربية - الإيرانية، مثل من ينتظر الأوهام.
فلا تركيا ستهتمّ بلبنان، أو ستلعب من ضمن "أجندة" مُعادِيَة للخليجيين فيه، على حساب تطوّر علاقاتها مع الإمارات، سياسياً واقتصادياً. ولا قطر ستتنافس مع الخليجيين بسببه (لبنان). ولا الحرب العسكرية الخليجية مع إيران ستشتعل بسبب لبنان، فيما المشهد اللبناني موزّع بين فريق ينتظر "شحادة" المليارات والاستثمارات من الدول الخليجية، وآخر ينشد "شحادة" الصواريخ والمسيّرات من إيران، الى جانب بعض الملايين لصالح بيئة لبنانية واحدة، لم تترك من لبنانيّتها إلا الهويّة اللبنانية "عا الورق".
مسكين لبنان، بسبب شعبه أو شعوبه، كما بسبب مكوّناته السياسية التي تنتظر وتتفرّج على النّظام السوري يستجمع أنفاسه، ويجمع أوراقه، بعد حرب مدمّرة، بما يمكّنه من استعادة عافيته العربية والدولية، من البوّابة اللبنانية أيضاً، ومن "دهنو سقّيلو".
فبعض الأوساط الديبلوماسية تعلّق على الانفتاح الإماراتي والعربي على سوريا، من بوّابة أن الرئيس السوري بشار الأسد بدأ يحصد نتائج بعض الأوراق التي يقدّمها في لبنان، لمرحلة ما بعد الإنتخابات الرئاسية اللبنانية.
وتشير تلك الأوساط الى أن إعادة بثّ مقابلة ما قبل التوزير، لوزير الإعلام جورج قرداحي، والتي علّق فيها على حرب اليمن، لم تَكُن سوريا بعيدة منه، باتّفاق مع الدول الخليجية نفسها، بما يؤسّس لإحراق بعض المرشّحين الرئاسيّين "المُمَانِعين" في لبنان، الذين يدور قرداحي في فلكهم، ولانتخاب رئيس جمهورية من فلك غير "مُمَانِع" بعد تشرين الأول 2022، ولتشكيل حكومة غير "مُمَانِعَة" في ما بعد، ضمن إطار يمهّد لعودة العلاقات الديبلوماسية اللبنانية - الخليجية وفق أُطُر جديدة، مستقبلاً.
تباينات
ومقابل تلك الأوراق، سيحصد الأسد بعض الحصص على الساحة اللبنانية نفسها، بموجب تسويات خليجية - روسية - أميركية - إسرائيلية. وضمن الصّورة تلك، يتحرّك الطرف التركي والقطري في لبنان، رغم الكثير من التباينات التركية والقطرية، مع الأميركيين والإسرائيليين والروس والعرب، على الساحة السورية، وفي النّظرة الى مستقبل النّظام السوري.
ماذا يريد؟
شدّد مصدر مُطَّلِع على أن "حرص دول المنطقة على مصالحها الخاصّة، وعلى تلك المشتركة بين بعضها البعض، هو الذي يضبط حدود اللّعبة في ما بينها، على الساحة اللبنانية".
وأسف في حديث لوكالة "أخبار اليوم" لأن "اللبنانيين لا يعملون لمصالحهم، في وقت أن دول المنطقة والعالم لم تَعُد تنظر الى لبنان كما في السابق، بعدما أظهر اللبنانيون أنهم ليسوا بمستوى الآمال التي كانت معلَّقَة عليهم. وبالتالي، ماذا يريد العالم منّا بعد اليوم؟ هل مجرّد منح المال لدولة مُفلِسَة؟ أو هل انه يحتاج الى موقعنا الجغرافي بالفعل؟ الجواب هو لا".
وأشار المصدر الى أن "النظام السوري يعمل حالياً على العودة الى لبنان، انطلاقاً من مصلحة استراتيجية له في ذلك، أكثر من كلّ باقي الأنظمة في المنطقة، لأنه (لبنان) الرئة الأساسية بالنّسبة إليه، ومصدر المشاكل، على حدّ سواء. فضلاً عن أن عودة سوريا متوفّرة من خلال وجود مكوّن لبناني داخلي يدعو الى ذلك، الى جانب الطرف الروسي الذي سيلعب دور "وسيط العودة"، في هذا الإطار".
وختم: "قد تكون البصمات السورية واضحة في إعادة بثّ مقابلة ما قبل التوزير، لقرداحي. ولكن لا يزال أمام بشار الأسد الكثير من الأوراق، التي يتوجّب عليه أن يقدّمها في الداخل السوري أيضاً، قبل اكتمال المشهد الإقليمي الجديد، وحدوده، ومجالاته، واحتمالات نجاحه أو لا، لا سيّما في لبنان وسوريا".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك