يفاجئ فعلاً، بل ويصدم بقوة، ما قاله الرئيس فؤاد السنيورة عن اتصاله ولقائه الرئيس نبيه بري في الفترة الأخيرة. قال إن "حزب الله" ساءه الحدثان، وإنه فتح النار عليه وعلى حركته باتجاه بري بأكثر مما كانت عليه حاله معه في السابق.
سبب المفاجأة، في الواقع، سببان: أولهما، أن ما قام به رئيس مجلس الوزراء الأسبق باتجاه رئيس مجلس النواب استهدف فتح نوافذ حوار كانت شبه مقفلة في الفترة الماضية، خصوصاً في ظل ما تشهده المنطقة حالياً، وسوريا منها بالذات، من أحداث مصيرية تمس كل بلد من بلدانها، ولبنان تحديداً، بما يفرض على أهله أن يكونوا على بينة من أمورهم وانعكاسات هذه الأحداث عليها ايجاباً من ناحية وربما سلباً من ناحية أخرى. وثانيهما، أن المفترض أن الحزب والرئيس بري حليفان ليس محلياً فحسب إنما إقليمياً واستراتيجياً أيضاً، وأنه لا يعقل أن يكون لقاؤه مع السنيورة ـ أقله من وجهة نظر بري ـ موجهاً ضد الحزب، فضلاً عن أن يكون ضد المصالح المحلية والإقليمية للحلف الذي يجمعه بحركة "أمل" ورئيسها.
لكن لماذا هذه الحساسية من اللقاء بين السنيورة وبري في المرحلة الحالية؟. هل هي من السنيورة وحده، حتى لو كان هدفه كما قال إبقاء باب الحوار مفتوحاً مع بري ومع غيره؟، أم من بري نفسه، حتى لو كان يعلن يومياً تمسكه بالنواجذ بالحلف بينه وبين "حزب الله"؟، أم أن الحساسية تتعلق بتحالف الحزب الآخر مع "التيار الوطني الحر" ورئيسه ميشال عون، أو لأن موقف الحزب ينبع أساساً وقبل ذلك من كل ما له علاقة بالوضع اللبناني الداخلي فيما الأفق الاقليمي في سوريا أولاً، ثم في إيران، لا يزال غامضاً وغير معروف النتائج حتى الآن؟.
واقع الحال، أن ذلك كله يبدو موجوداً، بهذه النسبة أو تلك، في ذهن قادة "حزب الله" في الظروف الحالية في لبنان وفي الإقليم على حد سواء.
فليس من المبالغة في شيء اعتبار أن الحزب يعيش مرحلة ارتباك كبيرة ومتعددة الوجوه، لبنانياً وسورياً وإيرانياً، بحيث يتمسك حالياً بلعبة تمرير الوقت ومحاولة تخفيف الضغوط التي يتعرض لها أكثر من أي شيء آخر. يؤكد ذلك موقفه الأخير من عصابات الشبيحة والابتزاز والتهريب والتزوير والخطف من أجل فدية وتجارة المخدرات التي ملأت المنطقة التي يسيطر عليها منذ سنوات، وسماحه على خلفية ذلك للقوى العسكرية والأمنية والقضائية بملاحقتها واعتقال من يمكن من عناصرها، فضلاً عن اكتشافه هو العديد من مظاهر الفساد والثراء الفاحش والعمالة للأعداء في صفوفه وبين كوادره.
هذا على مستوى بيئة الحزب الحاضنة، كما اعتاد على القول، في الضاحية الجنوبية من جهة أولى وفي مناطق الجنوب والبقاع وبعلبك ـ الهرمل من جهة ثانية. أما على مستوى علاقته مع الحلفاء، بمن فيهم ما يسمى الحليف وحليف الحليف، فليس خافياً أن الحزب يبذل قصارى جهده لإبقاء الوضع كما كان عليه في خلال الأعوام السابقة، ولتقليل خسائره قدر الإمكان... إن في ما يتصل بالحكومة، والخلافات بين أعضائها ومكوناتها، أو في ما يتعلق بقانون الانتخابات الذي يؤرق حليفه عون أكثر من أي حليف آخر، فضلاً عن حلفائه الآخرين ("الحزب السوري القومي الاجتماعي" و"حزب البعث العربي الاشتراكي" وغيرهما) الى الحد الذي يجعله يبدو غير متفاهم، إن لم يكن على تناقض، مع حليفه الأساسي حركة "أمل" ورئيسها نبيه بري.
هل يشي بغير ذلك إصرار عون وفريقه، بمناسبة ومن دون مناسبة، على تسليف "حزب الله" مواقف نافرة حيناً وغير مبررة دائماً، إن لجهة حرب الإبادة المكشوفة التي يشنها نظام بشار الأسد منذ 18 شهراً ضد الشعب السوري أو لجهة اعتداءاته العسكرية والأمنية على لبنان، أو حتى لجهة إعلان العداء للغرب عموماً وللولايات المتحدة خصوصاً، والتزام موقف الدفاع المستميت عن الملف النووي الإيراني وسياسات طهران في المنطقة وفي لبنان؟!.
لكن ما يبقى بعد ذلك كله، هو ارتباك "حزب الله" تجاه وضع نظام بشار الأسد الذي يتدهور يوماً بعد يوم، بالرغم من كل ما توفره له روسيا وإيران (فضلاً عن الحزب نفسه والحكم في العراق) من دعم عسكري على الأرض، وسياسي وديبلوماسي واقتصادي على أكثر من مستوى وصعيد. فهنا، يقف الحزب عاجزاً حتى عن التقرير بشأن خطوته الآنية أو المقبلة. ويزيد في إرباكه تبرع مسؤولين إيرانيين، من حين الى آخر، بإعلان جاهزية الحزب (لا يصدق اللبنانيون، بمن فيهم الشيعة، نفي الكلام لاحقاً) ليكون رأس حربة النظام الإيراني في الرد على أي عملية عسكرية تشنها إسرائيل أو الولايات المتحدة على إيران.
ولا يشي بغير ذلك، ضمن أشياء أخرى، صمت الحزب المطبق على كل ما يقوله المسؤولون الإيرانيون لهذه الجهة، وصمته حتى على كل ما يحيط بقضية المخطوفين اللبنانيين الـ11 في سوريا منذ خطيئة توجيه الشكر للنظام في دمشق عشية شيوع نبأ الإفراج عنهم قبل شهور.
قضية "حزب الله" الآن أكبر وأبعد من حدث اللقاء بين الرئيسين السنيورة وبري ومضمونه، وأخطر وأهم من قلق حليفه ميشال عون بشأن قانون الانتخابات ومستقبله السياسي، وحتى من كل ما ينخر بيئة الحزب من عيوب، ويحيط بها وبه من أسئلة وعلامات استفهام بشأن المستقبل.
قضيته تكمن بالضبط في ما أراد الرئيس السنيورة، من لقائه والرئيس بري، أن يحيط لبنان به من أسوار تقيه تأثيرات الحالين السورية والإيرانية وانعكاساتهما عليه. وليس الحزب مستعداً بعد، أو ربما قادراً، على اتخاذ قرار بهذا الشأن.
كل ما يرغب به "حزب الله" في هذه الفترة هو الانتظار، انتظار الحدث الجاري في سوريا وإيران، ولكن مع إبقاء الحال اللبنانية على ما كانت عليه، وحتى السعي الى تحديد الخسائر المفاجئة في حال وقوعها. وليس غريباً، والحال هذه، أن يرى الحزب في اللقاء بين السنيورة وبري نوعاً من "الخسارة المفاجئة" في ما هو لا يريد الخروج على سياسة الانتظار من ناحية، ويسعى الى منع حدوث المفاجآت من ناحية أخرى.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك