كتب محمد شقير في "الشرق الأوسط":
استبق «حزب الله» حلفاءه قبل خصومه السياسيين بإعلانه التعبئة العامة استعداداً لخوضه الانتخابات النيابية من خلال إطلاقه لماكينته الانتخابية التي تضم الألوف ما بين متفرغ ومتطوع، واضعاً نصب عينيه، كما تقول مصادره، الأولوية لرفع منسوب الاقتراع عما كان عليه في دورة الانتخابات السابقة وتحديداً في دائرة بعلبك - الهرمل (10 مقاعد نيابية) للفوز بالتعاون مع حلفائه بجميع مقاعدها لإسقاط مرشح حزب «القوات اللبنانية» عن المقعد الماروني أنطوان حبشي في ضوء إصراره على منع الهواء عنه بالضغط على المرشحين بعدم الترشح على اللائحة التي يسعى لتشكيلها مع قوى المعارضة لمنعه من الحصول على الحاصل الانتخابي الذي يؤمن له العودة ثانية إلى البرلمان العتيد.
فـ«حزب الله»، بحسب المصادر نفسها، يخوض ضد «القوات» في هذه الدائرة معركة كسر عظم، خصوصاً وأنها الوحيدة التي تضعهما في مواجهة مباشرة، باعتبار أن القرار في إدارته للمعركة الانتخابية يكاد يكون محصوراً به باستثناء مرشح حركة «أمل» النائب غازي زعيتر، فإن المرشحين عن المقعدين السنيين والآخرين عن المقعدين الماروني والكاثوليكي يحلون ضيوفاً على لائحة «كتلة الوفاء للمقاومة»، ويعود له اليد الطولى في ترتيبه لتوزيع الأصوات التفضيلية عليهم لضمان استئثاره بالمقاعد النيابية المخصصة لهم من جهة، ولقطع الطريق على مرشح «القوات» في خرقه للائحة.
لكن قرار «حزب الله» بإدراج «القوات» على لائحة أولوياته باستهدافه انتخابياً، كما تقول المصادر المواكبة لـ«الشرق الأوسط»، يعني أن أمينه العام أصدر أمر عمليات بتحريم انتخاب مرشحيه لعله يمنعه من زيادة حصته في البرلمان العتيد من ناحية، ويؤمن لخصمه في الشارع المسيحي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الاحتفاظ بأكبر كتلة نيابية من ناحية ثانية.
ومع أن «حزب الله» يدرج اسم «القوات» على رأس لائحة بنك أهدافه السياسية التي يريد الاقتصاص سياسياً منه، فإن حربه المفتوحة ضد جعجع تنسحب أيضاً على الحزب «التقدمي الاشتراكي» للثأر من رئيسه وليد جنبلاط مع فارق يعود إلى أن دائرة بعلبك - الهرمل تشكل نقطة الاحتكاك المباشر بين الحزب و«القوات» بخلاف الحرب التي يخوضها بالواسطة من خلال حلفائه ضد «التقدمي».
إلا أن الهم الانتخابي لـ«حزب الله» ليس محصوراً بالاقتصاص سياسياً من «القوات» و«التقدمي» وإنما يتمدد باتجاه استعداده لمواجهة أبرز الاستحقاقات السياسية أكانت محلية أو خارجية بدءاً برهانه على الإمساك بالأكثرية النيابية في البرلمان العتيد ليكون له كلمة الفصل في انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للحالي ميشال عون المنتهية ولايته الرئاسية في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وأيضاً في الإعداد لمواجهة المرحلة السياسية المستجدة في المنطقة في حال انتهى مؤتمر فيينا إلى تعويم الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
فـ«حزب الله» وإن كان يراهن على استئثاره وبفارق كبير بالغالبية النيابية في البرلمان الجديد، فإن خصومه في المقابل يسعون للتقليل من قدرته في حصوله وحلفائه على أكثرية نيابية وازنة حتى لو تمكنوا من حصد الثلث الضامن في البرلمان في أسوأ الأحوال لما له من دور مباشر في تعطيل الجلسات المخصصة لانتخاب رئيس جمهورية جديد بتطييرهم للنصاب القانوني المطلوب أسوة بما فعله الحزب وحلفاؤه بتعطيلهم جلسات انتخاب الرئيس ولم يفرجوا عنها إلا بعد ضمانهم انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
وبصرف النظر عن حصول الحزب وحلفائه على الأكثرية النيابية، فإن السيناريو الذي اعتمد في السابق وأمن وصول عون إلى سدة الرئاسة الأولى لن يتكرر، وبالتالي لن يكون في مقدور البرلمان العتيد ولاعتبارات إقليمية ودولية، كما تقول المصادر المواكبة لـ«الشرق الأوسط»، المجيء برئيس جديد يكون على قياس عون ولا باسم آخر.
لذلك فإن الحزب وإن كان من أولوياته التصويب على «القوات» و«التقدمي» لخفض مقاعدهما في البرلمان، فإن إصراره على رفع منسوب الاقتراع عما كان عليه في الدورة السابقة، وخصوصاً في الدوائر الشيعية يكمن في تمريره رسالة إلى الداخل مفادها بأن حاضنته لم تتأثر بالانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين الأول 2019 وما زالت وفية له، وأخرى إلى الخارج تحت عنوان بأن الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع يشكل رداً مباشراً على إدراج اسمه على لائحة العقوبات والإرهاب وبات يتمتع بتأييد غير مسبوق من الطائفة الشيعية في مواجهته للحراك المدني ومنعه من تسجيل أي اختراق.
وعليه، فإن تركيز «حزب الله» في تصويبه على «القوات» و«التقدمي» اللذين يشكلان رأس حربة في التصدي سياسياً لمحور الممانعة بقيادة إيران ولحليفه في لبنان في استخدامه لفائض القوة، كما تقول المصادر المواكبة، للإطاحة بقواعد اللعبة الداخلية بتغيير الوجه السياسي للبنان بانتمائه إلى محيطه العربي، لن يحجب الأنظار عن إخفاقه بتحضير الأجواء أمام حليفيه «اللدودين» حركة «أمل» و«التيار الوطني» للائتلاف انتخابياً في دائرة جزين - صيدا.
كما أن «حزب الله» يقف حالياً أمام مهمة يمكن أن تكون أقل صعوبة من مهمته في جزين - صيدا وتتعلق بتذليله للعقبات التي تؤخر تفاهم النائب طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهاب مع باسيل لتسهيل ولادة اللائحة الائتلافية عن دائرة الشوف - عاليه في مواجهة تحالف «التقدمي» - «القوات»، مع أن عامل الوقت بات يحشر حلفاء البيت الواحد الذين استحال عليهم حتى الساعة إقناع باسيل بضم الوزير السابق ناجي البستاني إلى اللائحة الائتلافية بذريعة أن اللائحة لا تتسع لمرشحين من بلدة دير القمر، في إشارة إلى تبنيه لترشح النائب فريد البستاني.
وعلمت «الشرق الأوسط» بأن الاتصالات لم تنقطع واستمرت إلى ما بعد منتصف ليل أمس في محاولة لإقناع باسيل بسحب الفيتو الذي وضعه على ترشح ناجي البستاني بذريعة أن البستاني الآخر، أي فريد، ليس في وارد الترشح على نفس اللائحة لأنه يتقدم عليه بالصوت التفضيلي.
وفي هذا السياق، تقول مصادر شوفية بأن وهاب لم ينقطع عن التواصل مع باسيل لحثه على حسم أمره مع اقتراب انتهاء المهلة المحددة لتسجيل اللوائح لدى وزارة الداخلية، وتتوقع بأن يرى قرار الحسم النور اليوم مع ترجيحها بخضوع باسيل للأمر الواقع لأن افتراقه عن وهاب وأرسلان سيفقده القدرة على إيجاد البدائل، أكانت درزية أو سنية للتعاون معها للدخول في منافسة مع حليفيه، وأخرى مع لائحة «القوات» و«التقدمي»، وبالتالي لن يكون في مقدوره تأمين الحواصل الانتخابية المطلوبة ليتقاسم معهما المقاعد الانتخابية وعددها (13 مقعداً).
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك