كتبت د. ميرفت بلوط، الأستاذة المتفرغة في كلية العلوم الجامعة اللبنانية:
تعيش الجامعة اليوم أسوأ مرحلة منذ تأسيسها، حيث أن التمادي في الاهمال المتعمد -من قبل سلطة جائرة- لكافة قضاياها، من موازنتها الهزيلة إلى حقوق أساتذتها ومدربيها، أصبح يشكل خطراً حقيقياً على وجودها وسيؤدي إلى انهيارها الفعلي والحتمي.
بالتربية نبني ... إنّ بِناء الأوطان يبدأ قبل أي شيء ببِناء الإنسان. إنّ عودة طبقية التعليم وحرمان الأجيال القادمة، غير القادرة على الذهاب إلى الجامعات الخاصة، من التعلّم وإيجاد فرص عمل بفضل شهادة جامعية، يعني تدمير مستقبل هذه الأجيال وتركها فريسة للضياع وللانحراف فأكبر مثال على نتائج البطالة عند الشباب، هي عصابات السرقة والتهريب والإتجار بالمخدرات والتي كثُرت في السنوات الأخيرة.
إنّ الحديث عن تهديد مصير الجامعة يجب أن يكون مقرونا" بالأسباب التي ستساهم في هذا الأمر، لذلك لا بدّ من ذِكرها وهي الآتية:
أولا"، موازنة الجامعة الهزيلة التي تمّ تقليصها في السنوات الأخيرة، على الرّغم من كلّ المطالبات من قِبل أهلها، إلى أن أتت الضربة القاضية مع ارتفاع سعر صرف الدولار حيث أصبح من غير الممكن تأمين الحدّ الأدنى لحُسْن سير العمل فيها.
ثانيا"، وصول العشرات من الأساتذة إلى سنّ التقاعد سنويا" وعدم ملء الشواغر بسبب عدم التعاقد مع أساتذة جدد.
ثالثا"، عدم وجود أي دافع لحملة الدكتوراه بالتعاقد مع الجامعة في ظلّ أسوأ ظروف وظيفية حتى وإن تمّ فتح باب التعاقد أمامهم.
رابعا"، هجرة العشرات من أساتذة الجامعة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها بلدُنا. كما أن العشرات من المتعاقدين والمتفرغين يتحضرون للهجرة في السنوات المقبلة أي خسارة عدد كبير جداً من الأساتذة.
خامسا"، سعي عدد كبير من المدربين في الجامعة إلى تركِها بسبب عدم وجود أدنى المقوّمات لاستمرارهم في عملهم في حين أنهم يشكّلون ركيزة أساسية أيضا" من أجل حُسن سير العمل الأكاديمي فيها.
في المُحصّلة، لكل الأسباب التي ذُكرت أعلاه، لا إمكانية لاستمرارية الجامعة من دون زيادة موازنتها وفي ظلّ غياب العنصر البشري الكافي الذي يسمح بادارة شؤونها على أتمّ ما يرام.
من هنا، لا بُدّ من التأكيد على أن قضية الجامعة اللبنانية هي قضية وطنية بامتياز، قضية كل عائلة سيُحرم أبناؤها من التعلّم، وليست قضية الأساتذة كأفراد، كما أنّه لا بُدّ من اجتماع عاجل وطارىء لمجلس الوزراء لوضع خطة إنقاذية للجامعة والبتّ في كافة قضاياها وذلك قبل فوات الأوان ... فهل من يسمع!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك