كتب داني حداد في موقع mtv:
يقترب عامٌ آخر من نهايته، ومعه نطرح بعض الأسئلة الكبيرة، عن حياتنا وعن الوطن. عام الوطن مليء بالخيبات، أمّا عامنا فيعود لكلٍّ منّا تقييمه، ومن خرج بتقييمٍ إيجابيّ يجدر به الاحتفال. عجيبة!
من الأسئلة التي نطرحها، في ختام عام المصاعب، وهذه صفة مخفّفة لما شهدناه في بعض أيّام روزنامة السنة: لماذا بعد نعيش هنا، في هذا الوطن؟
سبب السؤال أنّنا نعيش في بلدٍ لا يرتاح من الأزمات. لا رئيس فيه حتى إشعارٍ يعلم الله وحده، وربما "حزبه"، متى يحين. ولا حكومة إلا لتصريف الحدّ الأدنى من الأعمال، ولا إنجازات نلمسها، ولا خير نلاقيه.
لماذا نعيش في بلدٍ يتكرّر فيه السؤال نفسه، منذ عشرات الأعوام: هيدي كهربا او موتور؟ والكهرباء باتت تحضر لساعةٍ أو اثنتين، وبعض أصحاب المولدات لا شفقة لديهم ولا أخلاق.
لماذا نعيش في وطنٍ كنّا نفاخر بفصوله الأربعة، فبات صيفه قاتلاً بلا مكيّفات، وشتاؤه كارثيّاً مع تحوّل الطرقات الى أنهار، يغرق فيها الناس، ويطوف الفاسدون والمقصّرون، بلا حسابٍ أو قضاء؟
لماذا نعيش في بلدٍ بعض شعبه شاء أن يكون غنميّاً، يحمل زعماءه على الأكتاف ويهتف لهم بالروح والدم، وإن أخطأوا سامح، وإن ارتكبوا دافع، وإن قتلوه برّر لهم؟
لماذا نعيش في بلدٍ إداراته مهترئة، والفساد فيه بات تقليداً، وقد يضيع حقّ المواطن إن لم تحمِه طائفة أو يدعمه سياسيّ؟
قد تطول لائحة الأسئلة، وقد تتجاوز المئة. بلدٌ "فارط". معظم سياسيّيه بلا ضمير. معظم شعبه طائفيّ، وإن ادّعى غير ذلك. حتى أنّ انتفاضة ١٧ تشرين لم تخلُ من الطائفيّين، ولعلّ ذلك ما منع ولادة قيادةٍ لها.
إلا أنّ هذا البلد، بمآسيه كلّها، يملك سحراً تراجع ولم يختفِ. شهر الأعياد حافل بالاحتفالات والمعارض والريسيتالات، من أصغر القرى حتى وسط بيروت الجريح. هنا شجرة ضخمة، وهنا أفواه ترنّم، ومجمّعات تجاريّة مزدحمة بالزينة والزوّار، وكؤوس نبيذٍ أحمر صُنع في لبنان، و"كاسكن" مع لقمةٍ طيّبة في مطاعم تولد كالفطر في أجساد المدن والبلدات، والمسلمون يتبضّعون للعيد، كما المسيحيّين، ويحتفلون معهم، وأحياناً يتفوّقون عليهم في ضخامة شجرة العيد.
لم يفقد هذا الوطن كلّ سحره. تستيقظ بعد على صوت فيروز، وتشرب القهوة مع الأصدقاء، وتفرح بتفاصيل صغيرة وتسوح في البلد في نهاية الأسبوع وتشهد على مبادراتٍ كثيرة في المناطق. وإن أغفلت عن متابعة الأخبار، لشعرت أنّ البلد بألف خير، وأماكن السهر ممتلئة والخصور تتمايل، والجميلات يزددن جمالاً، والشبّان حسرةً، إلا المحظيّين…
لماذا نعيش هنا؟ بعضنا لأنّه لم يجد سبيلاً للخروج والابتعاد. وبعضنا لأنّه يأمل بأن تتغيّر الأحوال ويُنتخب رئيسٌ وتتشكّل حكومة. وبعضنا لأنّه يحبّ هذا الوطن، بجنونه وهفواته وسقطاته وخيباته، يهوى سحره، اعتاد مصائبه، وتأقلم.
أجمل ما فينا، كلبنانيّين، أنّنا نتأقلم. وهو، أيضاً، أسوأ ما فينا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك