كتب زياد شبيب في "النهار":
الانتظار، وكما سبق القول، حالةٌ وسط تقع بين اليأس والأمل ما يزال سيّد الموقف في لبنان وحتى في المنطقة برمتها. وقد أدرك كثيرون فوائده وعاشوا هذه الحالة، والبعض سقط في اليأس غير المبرّر أو اندفع إلى الأمل غير المفهوم.
الانتظار الذي تعيشه المنطقة، وتبدو آثاره على لبنان أكبر وأفدح بسبب الإنهيار المتفاقم، مستمرّ من حيث الحالة ولكنه تغيّر من جهة الاستحقاقات المنتظرة، وبعد أن كان الاتفاق النووي الذي طال انتظار توقيعه أو إعلان فشله، هو الساعة التي تُضبط استناداً إلى عقاربها المواعيد والاستحقاقات الإقليمية، بات المشهد الإيراني المستجد والمستمر هو الحدث وهو البوصلة التي يترقب اتجاهها المترقّبون.
هذا التحوّل أدى بطبيعة الحال إلى تبدّل العلاقات الإقليمية التي تحكم المشهد اللبناني وتؤثر في ما كان يُنتظر من تسويات تنعكس عليه، وانتقالها من حوار متقطّع ولكن متفائل إلى انقطاع وترقّب. على أن حالة الانتظار هذه يمكن أن ينتج عنها أخطار كبيرة على المستوى الداخلي اللبناني بسبب هشاشة الوضع السياسي والانهيار الاقتصادي المستمر والوضع الأمني المفتوح على كل الاحتمالات. وفي هذا الإطار لا يتردد مراقبون في ربط مقتل الجندي الإيرلندي في قوة الطوارئ العاملة في جنوب لبنان أمس بتطوّر الموقف الغربي من التأزم المستمر في إيران وانتقاله مما يشبه عدم المبالاة إلى التعاطي المباشر والإدانة.
في هذا السياق وإن كان التفاعل الداخلي مع الأحداث في إيران لم يتطوّر إلى درجة الدخول في الخطاب السياسي، إلا أنه سوف ينعكس على الداخل إلى حدّ يصبح معه إنجاز الاستحقاق الدستوري الأهم وهو انتخاب رئيس للجمهورية أكثر صعوبة وتعقيداً. وبعد أن كانت تحكم هذا الاستحقاق معادلة تقوم على رغبة الفريق المقرّر داخلياً باستدراج التعاون الخارجي ولا سيما العربي والخليجي تحديداً بهدف الحصول على اعتراف بدور رسمي والإقرار به مقابل تساهله في اختيار الرئيس، أصبح هذا السيناريو مستبعداً وبالتالي حلّ مكانه سيناريو الضغط الأقصى المترافق مع فراغ طويل، أو محاولة اختيار رئيس يؤتى به بتسوية محلية، ولكن هذه الأخيرة لا تبدو سهلة التحقيق في ظل رفض الحوار الداخلي الذي لا يمكن وضعه إلا في خانة الرفض الإقليمي لهكذا حوار.
في هذا المشهد المتحوّل إقليمياً وبصرف النظر عن مآل الأمور وعمّا إذا كانت ستنتهي محلياً بملء الفراغ الرئاسي، فإن الأزمة اللبنانية العميقة لن تنتهي بانتخاب رئيس ولن يخرج لبنان من حالة الارتهان المستمرّ للخارج، الذي يعود إلى ارتباط القوى المقرِّرة داخلياً بالخارج.
صحيح أن هذه الحالة ليست وليدة هذه المرحلة وحسب ولا تقتصر على القوى الحالية المسيطرة على المشهد السياسي، إنما هي مستمرة منذ عقود بحيث أصبحت جزءاً من النظام السياسي الداخلي ومن السياسات التي تضعها وتنفذها القوى الكبرى والإقليمية تجاه المنطقة ولبنان. وقد يعتبر كثيرون أن هذه المعادلة هي من المسلمات غير القابلة للتغيير وأن قطع ارتباط القوى السياسية الطائفية اللبنانية بالدول الراعية لها هو أمر مستحيل. ولكن هذا الانطباع تكوّن بنتيجة استمرار هذه الحالة مدة طويلة من الزمن وهو لا يعني أن عناصر تلك المعادلة قائمة في صلب النظام الدستوري اللبناني لا بل أن وجود هذا النوع من العمل والارتباط السياسي الخارجي، على تنوع اتجاهاته، إنما يتناقض مع الدستور.
في هذه الظروف يبدو الولاء للبنان على بساطته وبديهيّته الحلّ الجذري والوحيد، وإذا كانت القوى الحالية غير قادرة على تقديمه فلا بدّ من تحوّله إلى عنوان ومطلب لكل عمل عام الآن وحتى انتظام الحياة الدستورية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك