كتب زياد شبيب في "النهار":
تتفاوت درجات تأثير رجال الدين في الشأن العام أو رغبتهم بذلك بين طائفة وأخرى، ولكنه يبقى تأثيرهم أقل أهمية من الرغبة الجامحة لدى الزعماء الطائفيين في الإمساك بقرار طوائفهم الديني. وهذا يحصل بهدف تعزيز المكانة وإضفاء الشرعية على سلطتهم في ظل شعورهم بضعف الشرعية الشعبية الحقيقية. والثابت أن القرار السياسي في البلد ليس عند رجال الدين وإن تعاطوا الشأن العام أحياناً أو كثيراً، لا بل إن قرارهم الديني وحتى توليتهم الرئاسة الروحية أو الدينية هي التي تخضع غالباً لنفوذ أهل السياسة الذين لا يقدرون على التجرد من انتمائهم وحاجتهم إلى تحقيق هذا النفوذ.
الشأن الديني على أهميته ليس له انعكاس كبير على الشأن العام وهذا ما تثبته أحوال القيادة الروحية عند مختلف الطوائف. ومن الأمثلة على ذلك انتخابات المفتين في المناطق التي حصلت ضمن الحيوية الطبيعية داخل الطائفة، وبقاء رئاسة المجلس الشيعي الأعلى شاغرة دون تأثير على الشأن العام، والخطاب المتقدّم للبطريرك الماروني في الشؤون العامة يبقى في إطار التمنّي طالما امتنع رؤساء الأحزاب الموارنة عن الاستجابة.
الطائفية السياسية، أو نظام المحاصصة واقتسام مواقع الدولة ومواردها على أساس ادعاء تمثيل الطوائف، ليسا نتيجة حتمية لوجود تعدد طائفي في أي بلد في العالم. وهناك أنواع مختلفة من الحكم الذي يحفظ التعدّد ويسمح بتمثيل شرائح المجتمع بشكل ديمقراطي ويمنع الهيمنة العددية. ودراسة الأنظمة المتنوعة في هذا المجال تثبت ذلك، لكن الفرق بين وضع لبنان وأوضاع البلدان الديمقراطية التي تقوم على تعدد اجتماعي أن الدولة هناك هي الأساس وهي الأقوى وهي صاحبة السيادة، ومن هذا المنطلق تقوم الدولة بإدارة التنوع وفق منطقها وهو منطق السيادة و"الوحدة في التنوّع". (العبارة مقتبسة من عنوان كتاب أديب صعب الصادر عن دار النهار للنشر)
المشكلة عندنا أن الدولة هي الأضعف، وسلطاتها المختلفة مُسيطر عليها، وإن بشكل متفاوت في الأحجام، من قبل القوى المتصارعة. فالدولة هي الاستثناء بدل أن تكون القاعدة الأساس.
التنوع الاجتماعي ليس انقساماً وهو ليس ذا أثر سياسي حتمي بل هو أمر طبيعي ويمكن أن يبقى وأن يشكل غنىً حقيقياً للبنان، أما التلازم بين الانتماء الطائفي والخيار السياسي فهو المشكلة وهذا ما لا يرغب المسيطرون على المشهد السياسي في تغييره لأنه يُفقدهم القدرة على الإقناع ويفكك أسس ولاء المناصرين لهم.
الشرط الأساس للوصول إلى نظام سليم هو أن تكون الدولة هي الأقوى وهي صاحبة القرار في الشؤون السيادية، والمدخل إلى ذلك هو ألّا تكون الأحزاب دينية أو طائفية في تكوينها، وأن تكون أحزاباً سياسية منفصلة عن خلفيات زعمائها وانتمائهم الديني، وأن تكون قواعد العمل السياسي والتنافس على السلطة ومنطلقلاته منفصلة عن الشأن الديني.
كُثُرٌ هم من يوافقون على ذلك ويعتبرونه في الوقت نفسه أمراً نظرياً غير قابل للتطبيق من منطلق الواقع القائم وصعوبته، وهذا الموقف هو استسلام وموافقة مسبقة على الخضوع للقواعد المفروضة.
الشأن الديني وشؤون الطوائف يمكن أن يتسع مجالها أو يضيق وأن يشمل أو لا يشمل بعض الجوانب الثقافية الخاصة بها، أو أن يشمل أيضاً الأحوال الشخصية إلى مدى معيّن. وإدارة الشأن العام لا علاقة لها بطريقة العبادة أو حتى بالزواج والطلاق وبقوانين الأحوال الشخصية، فذلك لا يؤثر على المجال المشترك الذي يُسمّى "الشأن العام"، والذي يجب أن يتم تجريده من البعد الديني وفصله عن الشأن الطائفي فصلاً تاماً، لأنه المجال الذي يوجد فيه اللبنانيون بصفتهم مواطنين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك