واشنطن :
حين تصبح قضية خارجية جزءاً رئيسياً من النقاش الداخلي الاميركي، يعني أن لها اولوية قصوى في البيت الابيض. وفي اول اختبار له دولياً، بادر الرئيس باراك اوباما بحرب في ليبيا مهّد الطريق فيها لعقيدته الخاصة بالتدخل المحدود في الموارد والوقت من دون قوات على الارض تتكبد الخسائر.
يصف اوباما ما يجري في ليبيا بأنه «فريد» ولا يمكن مقارنته مع ما يجري في المنطقة، أي بالنسبة اليه هي حرب الضرورة وليست حرب الخيار. قطع جولته في اميركا اللاتينية قبل ساعتين من انتهائها وعاد الى واشنطن ليواجه الكونغرس، بشقيه الجمهوري والديموقراطي، يطرح تساؤلات حول البعد الدستوري والسياسي والاقتصادي لإعلان حرب اتخذ والرئيس خارج البلاد. اوباما يؤكد ان ما يجري في ليبيا ليس حرباً وان واشنطن تنفذ قرار مجلس الامن الدولي 1973 وهي تساهم بقدرات جوية وحدها تملكها قبل تسليم ادارة الحظر الجوي الى جهة ثالثة.
الادارة تتابع تركيزها على مدار الساعة لتطور الاوضاع في ليبيا. في وزارة الخارجية هناك خلية عمل تشكلت لمتابعة التطورات على الارض وفي المواقف المعلنة، البنتاغون يشرف على العملية العسكرية وقالت مصادر فيه لـ«السفير» إن هدف البنتاغون يبقى «نقل القيادة والسيطرة لقيادة التحالف في أقرب وقت ممكن عملياً». وفي البيت الابيض اجتمع اوباما بالأمس مع فريقه للأمن القومي، بما في ذلك نائب الرئيس جو بايدن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومســتشار الامن القومي توم دونيلون وقيادات البنتاغون، لمراجعة الجهود الاميركية في ليبيا. الاختــلاف داخل الادارة حالياً هو إذاً سيؤدي الحــظر الجوي وعزل القذافي دولياً الى إسقاطه في نهاية المطاف من دون ضربة عسكرية وما هي المدة الزمنية التي ستستغرقها.
بعد عودة اوباما، انتشر فريق عمله في واشنطن من مبنى «الكابيتول هيل» الى اجتماعات في الجناح الغربي في البيت الابيض، والغاية النهائية هي الحد من اضرار القرار الاميركي في ليبيا على وضعية اوباما داخليا. وبعد عودة الكونغرس من العطلة، سيكون لكلينتون جلسة استماع في مجلس النواب الخميس المقبل لـ«تحديد المصالح القومية الاميركية» في ليبيا، وقد يكون هذا التوقيت مناسباً للادارة مع توقع تسليم الجيش الاميركي ادارة الحظر الجوي الى الحلف الاطلسي نهاية الاسبوع الحالي. لكن تبقى التساؤلات في الكونغرس حول من سيدفع تكاليف هذه العمليات العسكرية، لا سيما ان معظم الصواريخ التي اطلقت كانت اميركية، وتتحدث تقارير ان ثمن هذه الحرب قد يصل الى حوالى مليار دولار، مع كل ساعة من الطيران والقصف سعرها 10 آلاف دولار. وزارة الدفاع تمتنع عن تحديد التكلفة وتؤكد ان تغطيتها متوفرة من ميزانية البنتاغون التي تصل الى 553 مليار دولار ومن ضمنها 118 ملياراً لحربي العراق وافغانستان. منطقة الحظر الجوي التي فرضت على العراق من العام 1992 الى العام 2003 بلغت 700 مليون سنوياً، والحظر الجوي فوق يوغسلافيا من آذار الى حزيران 1999 كانت كلفته 1,8 مليار دولار.
لكن مع كل الكلام العلني وبعد دخول العمليات العسكرية يومها السادس، لم يتمكن اوباما من الإجابة على السؤال الاساسي الذي طرحه عليه الكونغرس: ما هي الغاية النهائية لتدخل واشنطن العسكري في ليبيا أبعد من المهمة الإنسانية لانقاذ المدنيين في بنغازي؟ اي حرب طويلة من دون أفق قد يكون لها تداعيات على رؤية الاميركيين لمدى نجاحها او فشلها، لكن استطلاعات الرأي حول ليبيا ايجابية حتى الآن لاوباما (47 في المئة مع الحرب و37 في المئة ضدها) والاصوات الرئيسية الجمهورية والديموقراطية في السياسية الخارجية في مجلس الشيوخ تلتزم الصمت حيال المسألة اي لا تهاجمه ولا تدافع عنه، ما يعني ان هذه العاصفة في الكونغرس قد تمرّ في نهاية المطاف.
تحفظ رئيس مجلس النواب جون بونر على انه تم إطلاعه على المهمة في ليبيا من قبل مسؤول في البيت الابيض، بينما عقد اوباما اجتماعاً مع قيادات في مجلس الشيوخ لإطلاعهم على الامر قبل بدء جولته الخارجية. وقد وجه بونر رسالة الى اوباما ليسأل عن لغز تكلفة العملية العسكرية طارحاً مجموعة من التساؤلات حول المهمة الاميركية. المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني صرح في مؤتمر صحافي بالأمس ان الاسئلة التي طرحها بونر في رسالته قد تمت الاجابة عليها في مواقف الادارة. واكد كارني ان لو اوباما انتظر موافقة الكونغرس لكان القذافي سيطر على بنغازي و«قتل الكثير من الناس»، مشيراً الى ان اوباما «يعتقد انه قائد القوات المسلحة ويتطلب منه اتخاذ إجراءات لانقاذ الارواح». السيناتور الديموقراطي المقرب من البيت الابيض ديك دوربين صرح خلال مؤتمر صحافي عبر الهاتف ان بموجب «قانون سلطات الحرب» للعام 1973 يحق للرئيس الاميركي تفويض القوات الاميركية في عمل عسكري لمدة 60 يوماً «بدون تفويض صريح من الكونغرس»، لكن التلميح الذي أتى من «الكابيتول هيل» انه قد يكون هناك تصويت في الكونغرس على قرار اوباما حول ليبيا.
وفي هذه الاثناء، عقد «فريق العمل الطارئ الليبي» مؤتمراً صحافياً في نادي الصحافة القومية في واشنطن لدعم الجهود الدولية في ليبيا بحيث صرح رئيسها عصام عميش ان الليبيين الأميركيين يدعمون موقف واشنطن ولندن وباريس والدول العربية بشأن ليبيا مشيراً الى ان اجراءات قرار مجلس الامن الدولي 1973 «تشمل كل الجهود لحرمان هذا النظام القمعي الذي لا يرحم من الوسائل لتنفيذ حملته ضد سكانه ولإجباره على الانسحاب من المدن التي سيطر عليها بالقوة». وختم قائلاً «ما فعله بلدنا الولايات المتحدة من اجل الشعب الليبي في قيادة المجتمع الدولي لحمايته من همجية ووحشية نظام القذافي لن يتم نسيانه».
وقالت مصادر في «فريق العمل الطارئ الليبي» إن هذه اللجنة تشكلت بالتزامن مع اندلاع التظاهرات في ليبيا في 17 شباط الماضي، وهي تعمل حالياً كلجنة ارتباط وتواصل بين الادارة الاميركية والمجلس الانتقالي الوطني. وان قرارها بعقد هذا المؤتمر الصحافي جاء وسط تزايد الانتقادات الداخلية الاميركية حول القرار العسكري في ليبيا وللتطرق الى «نقص المعلومات فيما يتعلق بالمقاتلين الليبيين من اجل الحرية وموقف المجتمع الإسلامي».
ومن جهة اخرى صرح السفير الليبي السابق علي العجيلي لـ«السفير» ان المطالب التي سلمها المجلس الوطني الى الادارة الاميركية قبل أسابيع بدأت بالتحقق، لا سيما فرض الحظر الجوي. واكد انه تم إغلاق مقر السفارة الليبية في واشنطن وتعليق اعمالها، لكن بصفته ممثلاً للمجلس الانتقالي في العاصمة الأميركية يتابع عقد اجتماعاته مع المسؤولين في الادارة وسيفتح قريباً المجلس مكتباً له في واشنطن ولا يزال ينتظر تحقيق مطلبه في الاعتراف الاميركي بالمجلس بأنه الممثل الوحيد للشعب الليبي، مشيراً الى ان هذه القضية «ملحّة وهناك جدية، إن شاء لله لا تستغرق الكثير من الوقت». واعتبر أن إبقاء خطوط الاتصال الاميركية مفتوحة مع نظام القذافي هي «بحث عن مخرج ووسيلة لحقن الدماء» في ليبيا، داعياً الى الإبقاء على الحظر الجوي والبحري ووقف دخول الوقود والمرتزقة الافارقة. ورداً على سؤال حول ما اذا كان المجلس يدعم إطاحة التحالف عسكرياً لنظام القذافي، قال العجيلي «عندما تُشل حركة القذافي وعندما تُضرب قوته الاستراتيجية» سيتمكن الثوار من إنهاء المهمة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك