حين يبدأ "رأس" سنة جديدة، يكون ذيْل السنة القديمة قد عَبَر.
وكأنّ لا التقاء، ولا تواصل، ولا تكامل، في الزمن.
بينما الزمن حالة دائريّة، لا بدءَ لها ولا انتهاء.
أمّا التاريخ فحالة طُوْليّة يسير إلى الأمام، ولو أعاد نفسه جزئيّاً، مرّةً كمأساة، وأخرى كملهاة.
نحن، في لبنان الآن، أمام سنة سياسيّة في حساب التاريخ: نسير قُدُماً نحو حالة جديدة مناقضة للحالة السابقة، فيتّخذ العام الجديد وضع التصادم مع العام القديم، ينقضه ولا يكمّله، ولو بقي فيه من طعناته وجروحه الكثير، وتكرّرت بعض مآسيه.
للمرّة الأُولى، منذ اندلاع مأساة لبنان، قبل 4 عقود، ينتابنا (أو معظمنا على الأقلّ) شعور بأنّ تغييراً ما حاصلٌ لا محالة سنة 2013 (مع أنّ نصفها يحمل رقم التشاؤم !) .
هناك منظومة ثقيلة ربضت على صدورنا سنواتٍ طويلة، دخلت مرحلة التفكّك. ولا شيء يوحي بأنّها قادرة على الإلتحام من جديد.
من إيران إلى لبنان، عبر عراق منتفض، وخليج متحفّز، وغزّة مبتعدة، وسوريّا ملتهبة، وتركيّا متأهّبة، هناك "جبهة" تتهاوى.
ولا تستطيع مساومات موسكو مع الغرب أن تغيّر المسار الحتمي لهذه "الجبهة"، لأنّ مصالح الأمم تعلو مبادئها. هذه عِبْرة من عبر التاريخ الذي نحن في غمرته.
المشكلة تكمن في نصف لبنان المتمسّك بخشب السفينة الجانحة: يكابر في الإستغاثة، ويرفض خشبة الخلاص التي يمدّها النصف الآخر، ويغرق الواقف بينهما في إنشائيّات الحوار وشكليّات الوسطيّة.
تقول لهم: تعالَوا إلى حكومة انتقاليّة لمواجهة المرحلة الصعبة، يُجيبونك بالإصرار على حكومتهم "النائية بنفسها" عن أمن الناس ولقمتهم وكرامتهم.
تدعوهم إلى العمل معاً لوقف آلة الإغتيال، يردّون بأنّك تستغلّ دماء شهدائك، وتصطنع الخوف كي تمنع الإنتخابات.
تحضّهم على وضع حدّ لصلافة سفير النظام، ومنع تحويل وزارة الخارجيّة إلى صندوق بريد ومنبر له ضدّ وزارات أخرى، يأتيكَ كلام خجول لتهدئة خاطر وزير أهانته رسالة سفير، ويجيئكَ الردّ السريع من الرابيه بمنحه منبراً دائماً في المنزل والمحطّة!
تُبيّن لهم أنّهم غير صادقين في التزام ما قرّره المتحاورون منذ سنوات، يردّون بدعوتك إلى "جنّة الحوار"... بالسلاسل تحت مرمى السلاح، عبر جحيم مفترقات الإغتيال، وطاولة الإحتيال.
تطالبهم بوقف الفساد الهائل في إداراتهم وصفقاتهم ومناقصاتهم ومرفأهم ومطارهم وأدويتهم ومخدّراتهم وكهربائهم ومازوتهم ونفطهم واتصالاتهم ورشوات رواتبهم، يزايدون بأنّهم لم يبلغوا بعد مستوى فساد مَنْ سبقهم!
قضيّتهم هي السباق إلى قمّة الفساد، مع أنّهم كسروا رقمه القياسي "بكلّ فخر".
تحشرهم في وضع قانون انتخاب يحقّق أفضل تمثيل ممكن، يراوغون في الرقص على حبليْن: مشروعهم الرسمي بـ13 دائرة تحكّم أصوات طائفة واحدة بنصف مقاعد المسيحيّين، واقتراحهم البهلواني بمشروع المذاهب، مع علمهم أنّ حلفاءهم يرفضونه قبل خصومهم.
تلفتهم إلى أنّ بكركي والرئاسة الأولى لتغيير الحكومة وقانون الانتخاب، مع أولويّة إجراء الانتخابات في موعدها ولو على القانون القائم، يهدّدون بنسف الاستحقاق، و.."لن تخرب الدنيا"!.
يتمنّون، في سرّهم و"العلن"، 20 سنة أخرى بدون انتخابات، كما في مرحلة الحرب. "النعمة" التي ينعمون بها الآن لن تتكرّر: فمن أين لهم أن يفرضوا أكثريّة بسطوة السلاح مرّة ثانية، وكيف يمكنهم تكرار صفقة العمر بـ10 وزراء، و 27 نائباً، ومليارات الصفقات؟!
الواضح أنّ شهوة السلطة والمال أعمتهم سنتَيْن ، وأسكرتهم المغانم والأسلاب.
ويطمعون في سنة ثالتة ورابعة... بإلغاء الإنتخابات.
لكنّهم يغفلون عن أنّ 2013 ستشكّل نقيضاً كاملاً لـ 2012، وما قبلها.
وسيدفعون ثمن تصادم النقيضين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك