هل بات في الامكان العودة الى تسوية "السين – سين" لحل مشكلة الخلاف بين قوى 8 و14 آذار حول موضوع المحكمة الخاصة بلبنان وحول موضوع السلاح خارج الدولة، بعد معاودة الاتصالات بين السعودية وسوريا وتكرار تحذير المجتمع الدولي من عواقب عدم الالتزام بتنفيذ القرارات الدولية ولا سيما منها القرار 1701 والقرار 1757؟
فقد لوحظ ان سوريا اتخذت موقفا داعما لمملكة البحرين ومؤيدة لدخول قوات خليجية لمساندتها في مواجهة تحركات شعبية خلافا لموقف ايران ولموقف "حزب الله"، وقد ردت السعودية التحية بمثلها بإعلان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وقوفه مع الرئيس بشار الاسد في مواجهة تحركات شعبية مبديا حرصه على الامن والاستقرار في سوريا.
وكرر رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي من جهته التزام حكومته العتيدة قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بلبنان، بعدما سمع من ديبلوماسيين كلاما يشددون فيه على اهمية الالتزام بهذه القرارات لئلا يدخل لبنان في مواجهة غير سليمة العواقب مع المجتمع الدولي. فاذا كانت الحرارة عادت الى العلاقات السعودية – السورية وكرر الرئيس المكلف تأكيد الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، فما الذي يحول اذاً دون العودة للبحث في تشكيل حكومة وحدة وطنية بعدما كان الحائل دون تشكيلها الخلاف بين 8 و14 آذار، على موضوع المحكمة الخاصة بلبنان وعلى موضوع سلاح "حزب الله" وان يصير التفاهم على التفاصيل لمعرفة كيف ستلتزم حكومة ميقاتي العتيدة تنفيذ قرارات مجلس الامن لا سيما ما يتعلق منها بالمحكمة وبالقرار 1701، وهذه التفاصيل لا بد من معرفتها كي يصير اتفاق على البيان الوزاري عندما يأتي على ذكر ذلك.
لقد سبق للرئيس نبيه بري ان اقترح الفصل بين القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وموضوع المحكمة، ثم سكت عن هذا الاقتراح عندما لمس عدم تجاوب حليفه "حزب الله". فهل ما يمنع العودة الى هذا الاقتراح خصوصا اذا كانت سوريا باتت تنظر الى الموضوع من زاوية تختلف عن نظرة "حزب الله" اليه وتؤكد قول الرئيس الاسد ان القرار الاتهامي يكون مقبولا اذا استند الى ادلة قاطعة والى مستمسكات لا شك فيها، او ان يعاد البحث في عقد مؤتمر مصالحة ومسامحة في الرياض او في اي مكان آخر، كما كانت قد اقترحت تسوية "السين – سين"، ويتم في هذا المؤتمر طي صفحة الماضي بكل مآسيها وآلامها وفتح صفحة جديدة لوئام وسلام بين اللبنانيين جميعا ايا يكن مضمون القرار الاتهامي بحيث لا يعود يخشى حصول تداعيات.
اما سلاح "حزب الله" فمعالجته تكون بالعودة الى القرار 1701 والتزام تنفيذه، وهو ما قد يكون اصبح اكثر سهولة بعد التطورات المتسارعة في المنطقة، وحصول تغيير في انظمة دول فيها مع تغيير الحكام ايضا، بحيث ان سوريا وكذلك اسرائيل صارتا اكثر استعدادا لتنفيذ هذا القرار تنفيذا دقيقا كاملا ولا سيما ما يتعلق بتحقيق سلام شامل في المنطقة لانه المدخل الذي يجعل سوريا تساعد على تنفيذ القرار 1701، وهو ما كان قد اشار اليه دنيس روس المستشار لدى معهد واشنطن لسياسة الشرق الاوسط في مقال له في "الواشنطن بوست" على أثر صدور هذا القرار، وتساءل فيه: "هل يمكن تطبيق كامل شروط القرار 1701 من دون ان تشكل سوريا طرفا، لان تطبيقه سيكون وبدرجة كبيرة رهنا بالسوريين؟"، ولفت تأكيدا لذلك الى "ان التاريخ متخم بالقرارات الجيدة بشأن لبنان والتي لم تجد اي تنفيذ لها لان السوريين كانوا يمسكون بالقدرة على اعاقتها. فهل ستغير سوريا في سلوكها لكي تجعل مصير هذا القرار للامم المتحدة مختلفا عن مصير غيره من القرارات السابقة؟".
ثمة من يقول ان عودة الحرارة الى العلاقات بين السعودية وسوريا وتبدل الظروف في المنطقة بفعل الانتفاضات الشعبية، قد تجعل سوريا تغير موقفها من المحكمة الخاصة بلبنان ومن تنفيذ القرار 1701، واذذاك يصير في الامكان تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم ممثلين عن 8 و14 آذار، ولان مثل هذه الحكومة باتت امرا محتوما في ظل الديموقراطية التوافقية التي تم الاتفاق على اعتمادها بديلا من الديموقراطية العددية ما دامت الطائفية السياسية هي السائدة، ولان حكومة اللون الواحد او اي حكومة لا ترضي مختلف الاتجاهات السياسية والحزبية والعصبيات المذهبية قد تكون عاجزة عن تحقيق المطلوب منها، ومتى حلت عقدة الخلاف بين 8 و14 آذار حول المحكمة والسلاح، فلا يعود عندئذ ما يعوق تأليف حكومة من هذين الطرفين.
الرئيس حسين الحسيني عاد بالمناسبة وكرر ما كان قد دعا اليه عام 1996 الى تشكيل حكومة متوازنة تطبيقا للمادة 65 من الدستور، اي حكومة لا يملك شخص او فئة او طائفة الاقلية المعطلة او الاكثرية المقررة بحيث يكون مبدأ تعاون الجميع مع الجميع في اطار المؤسسات، ذلك ان التضامن في ما بين اللبنانيين شرط الوجود وشرط النهضة، والمطلوب "قوة الحكم والحكم بالمؤسسات وليس بالافساد المنظم والهيمنة الشخصية". ويرى الرئيس الحسيني ان ظروف اليوم متشابهة وظروف الماضي سواء من حيث دقتها ومن حيث الحالة التصادمية مع اسرائيل، وهذا يفرض "تحصين التضامن الداخلي بالاصرار على مشاركة الجميع في الحكم عبر المؤسسات لان لبنان لا يعيش الا بمشاركة جميع اهله في صنع القرار وبثوابت الوفاق الوطني القائمة على قاعدة العيش المشترك المسيحي – الاسلامي التي هي مبرر وجود لبنان وبقائه واستمراره، ومن يتوهم انه يستطيع الغاء الآخرين هو معاد للبنان ويريد الشر به، وتأليف الحكومة هو مناسبة اساسية لاستيعاب الجميع وصون الوضع الداخلي المتماسك وايجاد الاطر السياسية الملائمة لتحصين الوفاق الوطني وترسيخ الوحدة الداخلية، فعندما يوضع الحمل الثقيل على اكتاف الجميع يصبح خفيفا".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك