تنذر آخر انتفاضات السجناء في سجن رومية التي بدأت السبت الماضي بكارثة دراماتيكية مخيفة قد تحصل في اي لحظة امام الواقع المأسوي لهذا التجمع البشري المرصوص وسط ظروفه المزمنة المعروفة. فمّن كان ليحاسب مَن لو حصلت الكارثة وسط تشابك المسؤوليات وتعددها بين الوزارات المعنية والاجهزة الامنية والعسكرية؟ وماذا تفيد المحاسبة، لو اتيحت، وكيف يجري تحديد المسؤوليات بين حكومة تصريف اعمال وحكومة قيد التأليف؟
في مقلب آخر، تدخل "ازمة الرهائن" المستعادة مع خطف الاستونيين السبعة بعد ايام اسبوعها الثالث مع شبح كارثة لا يجوز اسقاطها من الحسابات. فمَن يحاسب مَن في حال وقوع المحظور في اقصى احتمالاته التي ترافق كل عملية ارهابية مماثلة؟
في مقلب ثالث لا يقل خطورة، يواجه عشرات آلاف اللبنانيين في ساحل العاج وضعا مرعبا اسوة بسائر الاجانب وربما اكثر. فكيف لدولة هائمة في وضع حكومي عالق وتساجل سياسي مخجل وهابط ان تواجه هذه
الكارثة؟
لا صلة بين هذه الحلقات المتعاقبة سوى انها تصيب لبنان واللبنانيين بأخطر الاحتمالات المشؤومة. ولكن الصلة الحقيقية الاخرى والاشد شؤماً هي انها تكشف لبنان على دولة عارية تماماً وعلى طبقة سياسية هي المصدر المنتج لهذا الفشل وهذا الاخفاق المريع.
هي حلقات ثلاث طارئة هبطت بفعل تزامن بالمصادفة بطبيعة الحال، وسقطت على سطح سياسي شديد الهشاشة والميوعة ومفعم بكل السخافة التي لا يتصورها عقل فساهمت في تظهير الدولة الفاشلة عندنا أياً كان واياً يكن من ساهم في انتاجها قديما وحاليا ومستقبلا.
مع ذلك، السذج وحدهم سيراهنون على ان هذه النماذج الخطيرة ستدفع بكبار القوم اليوم قبل الغد الى استعجال حكومة ما، اقله بدافع من ادراك ترك البلاد هائمة وسط واقع لامسؤول دستورياً بكامل الموجبات التي يحتمها الدستور.
تحتاج ازمات لبنان الذاتية بكل وجوهها وتراكماتها اصلا الى مجلس وزراء في انعقاد "تاريخي" دائم لا ينفض مدى سنوات. فكيف بالطوارئ المنهالة على لبنان من داخله وخارجه ومحيطه ودنيا الاغتراب ايضا؟
لذا فقط بات اللبناني انساناً قدرياً لفرط ما امعنت السياسات في تهميشه وتركه على قارعة انتظار يوم لن يأتي يغدو فيه كانسان اولوية سلطاته وسياسييه حقا. ولا غرابة والحال هذه ان ينسى اللبنانيون أن في لبنان ازمة حكومية، ما دامت بلاغة الشطار السياسيين هي في تسخيف المنطق الدستوري نفسه وتعطيله واستباحة المهل الادبية والمعنوية كما النصوص والاعراف. وما دامت بلاد لا تجد فيها من يضرب على الطاولة باسم الناس ويأخذ مشروعيته من ذوي المعاناة والخوف والتهميش، فلا غرابة ايضا ان يراهن الناس على العناية الالهية وحدها لانها منعت حتى الان الكوارث الثلاث، وحالت حتى الساعة دون الاسوأ. ولكن العناية الالهية نفسها عجزت عن احلال منطق الدولة في دولة مزهوة بفشلها!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك