كثيرون في لبنان لا يتذكرون الدولة إلا عندما تسوء حالتهم في الداخل كما في الخارج. وهذا امر طبيعي. ولكن ما يهم هنا هو الذين يتذكرونها بعد ان تكون هذه الدولة قد ساءت اوضاعها الى درجة انها تصير عاجزة عن حمايتهم او متابعة مصالحهم في حدها الادنى. وقد كان مشهد تظاهرة ذوي المغتربين في ساحل العاج امام وزارة الخارجية معبرا للغاية. واكثر من ذلك، صدر كلام لنسوة جنوبيات في ذروة الغضب يهددن بعدم انتخاب النواب أنفسهم المرة المقبلة لانهم لا يحمونهن ولا يفعلون شيئا لمساعدة ابنائهن في ابيدجان !
والحال ان الدولة ضعيفة ان لم تكن عاجزة كليا. فبعد سنوات من الحرب المنظمة لتقليص وجودها كمؤسسات، وقد جرى ضربها من الداخل والخارج على حد سواء وبيد جهات سياسية لبنانية ذهبت اليها اصوات مئات الآلاف تحت شعارات المقاومة المزعومة، يكتشف المواطن العادي ان لا بديل من الدولة القوية ان في الداخل او في الخارج. فلا قوة "حزب الله" وصواريخه تنفع اللبنانيين المحاصرين بحروب اهلية في الخارج، ولا تذاكي مسؤولين لبنانيين كبار حولوا الخارجية اللبنانية مكتباً حزبياً ضيق الآفاق خدم مصالح ملايين اللبنانيين في الانتشار من اميركا اللاتينية الى افريقيا وصولا الى دول الخليج العربي. ولعلّ في فضيحة اعتراف ممثل لبنان بالرئيس المتمرد لوران غباغبو اكبر الادلة على ان مصالح فئوية او مالية هي التي تسير عمل الكثير من المسؤولين من ادارات الدولة الواقعة ويا للاسف تحت سيطرة قوى ما فتئت تجوف المؤسسات، وتقيم دويلات ضمن الدولة او على هامشها او تنهشها ماديا.
ان المواطن الذي يدلي بصوته في الانتخابات النيابية لمن يقيمون الدويلات والجيوش انما يسهم في شكل او آخر في اضعاف الدولة الراعية للجميع، في الوقت الذي لا تستطيع "الكيانات" غير الشرعية حمايته او الدفاع عن مصالحه، او حتى رعايته عند الازمات.
لقد كانت "ثورة ذوي المقيمين في ساحل العاج محقة امام وزارة الخارجية. وكان يجب ان تتوجّه الى منازل المسوؤلين الكبار ايضاً، بعضهم نظراً الى مسؤوليته المباشرة عن واقع مؤسساتي، وبعضهم بسبب استسلامهم للامر الواقع، وبعضهم الآخر لمسؤوليتهم عما يمكن ان يصيب آلاف اللبنانيين في المستقبل بعد ان يصيروا موضع شبهات امنية في العديد من البلدان.
ان قدرات الدولة اللبنانية محدودة بالنسبة الى لبنانيي ساحل العاج. وجلّ ما تستطيعه هذه الحكومة الراحلة او اي حكومة آتية هو الاعتماد على صداقات لبنان الخارجية لتخفيف المصاعب، وتسهيل خروج اكبر عدد ممكن من الاشخاص بسلامة. انما يبقى الاهم للمستقبل ان يتيقن المواطن اللبناني شأن السيدات اللاتي صرخن من الالم على درج وزارة الخارجية يوم الاحد الماضي ان خيار اللادولة مميت للجميع، وان آلاف الصواريخ وأطنان الشعارات الفارغة، وكل المكاسب المادية التي يحصّلها البعض بالفساد المقيت لا تغني عن دولة حقيقية تكون المرجعية الوحيدة للجميع ولا يشاركها احد. فهل نتعلم من اوجاع ابنائنا في ابيدجان؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك