هل يندرج ما يشهده العالم العربي اليوم في اطار خطة أميركية، يسميها اهل الأنظمة مؤامرة، من دون ان يجرؤوا على تحديد جنسيتها؟
تكشف مراجعة كتابات سياسية اميركية نشرت بعد 11 أيلول 2001 ان اغلبها كان يُجمع على اعتبار منطقة الشرق الأوسط نقطة الاهتمام المركزي في العلاقات الاميركية – الاوروبية. وفيما كان الاوروبيون، لا سيما الفرنسيون والالمان، ينتقدون انحياز واشنطن في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، كان رفض بون وباريس دعم الحرب على العراق يغيظ الاميركيين.
في موازاة ذلك، غضبت واشنطن من رفض اوروبا اعتماد الحزم مع ايران، بقدر ما غضب الاوروبيون من رفض الولايات المتحدة الانضمام الى المفاوضات مع طهران. لكن الفريقين، الخارجين من نجاح مشترك في اسقاط المنظومة الشيوعية، في اطار حلف شمال الاطلسي، وجدا في واقع الشرق الاوسط، امتحانا جديداً لقدرتهما على مواصلة التعاون، وتبريرا لاستمرار هذا الحلف. وإذا كانت الحرب الباردة وفرت مبرر وجوده لأكثر من نصف قرن، ومددت حرب البلقان دوره لأكثر من عقد، فإن الشرق الأوسط منطقة رئيسية لتوفير الامن لاوروبا والولايات المتحدة معاً، لصلتها خصوصاً بمسائل استراتيجية ابرزها مخزونات الطاقة، والهجرة وزراعة المخدرات والسلام والارهاب، اضافة الى مشاكل دوله الذاتية، وانعكاساتها خارج الحدود، كالافتقار الى الديموقراطية والنمو السكاني المتزايد والركود الاقتصادي، وغياب خطط التنمية المتبصرة.
في تشرين الثاني 2003، أطلق الرئيس الاميركي جورج بوش الابن، وقادة الدول الصناعية الثماني الكبرى، ما يعرف بمبادرة الشرق الأوسط الكبير. كانت المبادرة منذ بدايتها مثيرة للجدل، وبدت في اشد نسخها طموحاً كأنه محكوم عليها بالفشل. وكان الكثيرون في الشرق الاوسط يشككون في أهدافها المعلنة، في حين كانت أبرز علامات السياسة الأميركية وضوحاً في المنطقة هي احتلال العراق والدعم الأميركي السخي لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون. وفي ذلك الوقت أيضاً، أوضح قادة دول مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى أنهم ليسوا في قارب واحد مع الولايات المتحدة، مما جعل المبادرة تبدو كأنها مبادرة أميركية من جانب واحد، في وقت وصل رصيد واشنطن في المنطقة الى ادنى درجاته.
يسجل هنا للرئيس الشهيد رفيق الحريري انه كان أول مسؤول عربي حذر من المشروع، ونبه المسؤولين العرب الى "عواقب خطيرة له" تبدت في كونهم "ليسوا جزءاً منه"، اي ان رأيهم لم يؤخذ في تقريره ولم يشاركوا في وضعه أو نقاشه، ودعاهم الى "ضرورة اخذه مأخذ الجد" كي لا يجدوا انفسهم امام نتائجه.
لم يسقط انتهاء ولاية بوش المشروع، اذ كان واضحاً تمسك خليفته من الحزب الديموقراطي المنافس باراك اوباما به. ففي خطابه في جامعة القاهرة في مطلع حزيران 2009 اعاد اخراجه في 7 نقاط ابرزها الديموقراطية والحرية الدينية وحقوق المرأة والتنمية الاقتصادية.
قبل ذلك، وعام 2005، عقدت في باريس حلقة دراسية بمبادرة من "معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية " قدمت فيها ابحاث تناولت "هلال الأزمات" وجرت، استنادا إليها، نقاشات في "الاستراتيجية الأميركية – الأوروبية حيال الشرق الوسط الكبير" (ايران، اسرائيل – فلسطين، سوريا ولبنان، العراق، أفغانستان، باكستان).
أحد أبرز الأبحاث ما قدمه مارتن إنديك، وهو نائب الرئيس ومدير قسم السياسة الخارجية في مؤسسة بروكنغز، وكان عمل سابقًا سفيرا للولايات المتحدة في إسرائيل، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، ومساعد خاص للرئيس ومدير أول للشرق الأدنى وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي.
تناول إنديك الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي مقترحا ما سماه "تطوير استراتيجية مدمجة" خاصة بالشرق الأوسط تقوم على أربعة أسس:
1 - استقرار العراق ( وهو ما يجري حاليا).
2 - العمل على تسوية للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي (لافت تسارع الاعترافات بالدولة الفلسطينية من دول أميركا اللاتينية).
3 - رفض امتلاك ايران أسلحة نووية وتحييدها عن القيام باعمال إرهاب ضد الجهود الأميركية لصنع السلام (انتهى التمايز في المواقف منها).
4 - تشجيع الاصلاح السياسي والاقتصادي والتربوي والديني في العالم العربي.
هل ما تقدم يبرر حديث الحكام عن مؤامرة خارجية "بعيدة وقريبة" عليهم؟
الجواب، أن فكرة المؤامرة قد تريح تعنتهم، لكنها تستدعي التذكر أن هناك مؤامرة أبعد في التاريخ خطها الزمن يوم سيطرتهم على الحكم، حين صادروا الحريات العامة بحجة تركهم يتفرغون للتخطيط لخلاص شعوبهم من التخلف وتحرير فلسطين، فكان أن نكثوا بهذا العقد الاجتماعي – السياسي وثبتوا لافتات الجمهورية - والجماهيرية – على ملكيات جعلوها وقفا للعائلة والقبيلة.
لم يكونوا لينجحوا في الاستيلاء على الحكم والاستمرار، لولا تواطؤ القوى الكبرى الذي أتاح لهم استخدام القضية الفلسطينية للتحكم في المعارضة الشعبية لإسرائيل والولايات المتحدة بهدف تشتيت الانتباه عن حالات الفشل في الداخل وعلى الحدود والحفاظ على مواقعهم في السلطة والامتيازات.
المؤامرة الفعلية هي في استمرار انظمة ولدت مع منتصف القرن الفائت ولا تزال تعتقد أن الحرية منحة من الحاكم، وأنه هو علة وجود الوطن ومصدر التشريع والحكمة، وكبير الضباط والشعراء والأدباء والروائيين، ومنبع الرقة واللطف وخفة الروح، وسرعة البديهة والنكتة اللاذعة، ومحتكر الوعي والفهم.
هل هي مؤامرة أن تدرك الشعوب أنها مصدر السلطة، وليست عبيدا عند من يستولي عليها في غفلة من الزمن، ويتوهم أنها إرث في العائلة!
المؤامرة هي الوهم بأن ما يزيد على 300 مليون عربي في هذا العالم، بينهم فوق الـ38 في المئة تحت سن العشرين يمكن أن يقبلوا الاحتفال، مجددا، باليوبيل البرونزي لبقاء هذا الحاكم أو ذاك على رأس السلطة في زمن الانترنت والعولمة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك