كل كلام يُوجّه إلى مُجمل الشيعة اللبنانيين أو يتناولهم مباشرة أو تلميحاً في هذه المرحلة لن يكون في محله. فهو سيخلف على الأرجح نوعاً من مشاعر سلبية لدى المعنيين، ويُحتمل جداً أن يُفهم على غير المقصود بسبب من الظروف غير الملائمة لأبناء هذا المذهب وإحساسهم بتناوب الظلم عليهم من البشر والقدر، إن في لبنان أو في دول الخليج وبعض أفريقيا بل العالم أجمع. وعلى رُغم ذلك لا بأس بالتذكير همساً في أذن الرئيس نبيه بري بأنه كان يُستَقبل في دُول الخليج التي درج على زيارتها أكثر من مرة في السنة استقبال رؤساء الدول وبما يُخالف مراسم البروتوكول المعتمدة فيها، ليس لأنه رئيس مجلس النواب اللبناني بل بصفته زعيماً شيعياً من لبنان.
كذلك كان الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين أينما حلّ سنوياً، أفي البحرين أم الكويت أم السعودية وغيرها يُحاط بتكريم مميّز وحفاوة لا تُوصَف. وأيضاً ليس لأنه كان رأس هرم المؤسسة الدينية الشيعية في لبنان بل لأنه حمل رسالة شديدة الأهمية لأقرانه وأبناء مذهبه في دول الخليج وكل بلد يزوره. رسالة فحواها أن لا مشروع خاصاً بالشيعة في العالم العربي أو الإسلامي الأوسع، بل هم جزء لا يتجزأ من أوطانهم أوفياء لها مخلصون، لهم حقوق يُطالبون بها كسائر المواطنين إن لم تكن مُحققة، وعليهم واجبات يؤدونها مثلهم مثل غيرهم لا أكثر ولا أقل. وأحياناً كثيرة كان واضع "الوصايا" يؤدي دور الوسيط النزيه بين سلطات الدولة التي يزورها وأبناء مذهبه من مواطني تلك الدولة لمعالجة بعض القضايا المحلية الشائكة. وكانت كلمته لا تردّ
عادة.
التذكيران هذان ليسا لنكء جروح بل لمحاولة التحريض من خارج متاريس الصراع على التفكّر في مساوئ فقدان دور كبير للشيعة اللبنانيين في دول النفط العربية المجاورة لإيران، المشتبه عن حق أو عن خطأ في سعيها مجدداً إلى تصدير ثورتها الخمينية من خلال الشيعة العرب حيثما كانوا، من العراق إلى لبنان، ومن البحرين إلى اليمن، مروراً بالكويت والسعودية والإمارات
وغيرها.
الأحرى باللبنانيين جميعاً البحث في وسيلة نجاة لطائفة عزيزة من طوائفهم، إذا أُحبطت فسيدفع لبنان كله الثمن غالياً، بدل التفكير في الرابط بين كوارث طائرة كوتونو وعماد مغنية وحرب تموز 2006 وحسن عز الدين والبنك اللبناني – الكندي وطرد لبنانيين شيعة من الإمارات ومأساة المهاجرين إلى ساحل العاج، معطوفة على المؤشرات المقلقة إلى حملة تضييق على اللبنانيين الشيعة في دول خليجية وغير خليجية قد تشمل غير الشيعة أيضاً، بذريعة ما يُتداول همساً في بعض العواصم عن جوازات سفر لبنانية يملأها بما يشاء حزب، ما عاد أحد في العالم العربي يذكر أنه حزب المقاومة في وجه إسرائيل.
هل تفيد إشارة هنا إلى أن المؤسسة الدينية عند المسيحيين هي التي نهضت وتصدت بجدارة للمهمات الوطنية بعدما تهاوت قيادات "المارونية السياسية" نتيجة لحسابات خاطئة لا تُحصى من أواخر الثمانينيات؟ لعلّ السؤال يجوز، بالمقارنة والقياس، عن أحوال المؤسسة الدينية الشيعية ومدى أهليتها وقدرتها على حمل العبء والرسالة المطلوبة في ظل ما بدا من تخبط القيادة السياسية. هذا الموضوع يجب أن يطرحه الشيعة على أنفسهم بالطبع، لكنه يعني اللبنانيين كافة مسلمين ومسيحيين من كل المذاهب، فقد لا يكون الأوان قد فات حقاً. قد يستطيع أحد أو جهة ما تقديم نجدة. قد لا يكون صحيحاً أن كل طائفة في لبنان لا تأخذ عبرة وتعود إلى صوابها إلا بعد خسارات مهولة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك