تتساءل اوساط سياسية لماذا كان النظام الديموقراطي معمولا به ومقبولا في الماضي اذ كان يتم انتخاب رئيس الجمهورية وانتقال السلطة بسلاسة ويأخذ تشكيل الحكومة مجراه الطبيعي حتى امسى هذا النظام اليوم غير صالح واستبدل بـ"الديموقراطية التوافقية" بحيث بات مطلوبا التوافق على اختيار رئيس للجمهورية والتوافق ايضا على تشكيل الحكومة والا اصبحت حكومة غير ميثاقية، الامر الذي صار يستوجب البحث عن حل يسهل اجراء الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومات من دون عوائق تتعذر ازالتها فتواجه البلاد ازمات مستعصية تدخلها في الفراغ الرئاسي والفراغ الحكومي.
والبحث عن هذا الحل يمكن ان يتم التوصل اليه باعتماد "العرف" اذا طال انتظار اجراء تعديلات دستورية.
الواقع ان ما جعل النظام الديموقراطي سهل التطبيق في الماضي هو ان الانقسام في البلاد كان انقساما سياسيا لا طائفيا كما هو اليوم. فالمعارضة لم تكن تقاطع جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، لان حضور النواب الجلسات هو واجب وطني ما دام للنائب حق الاقتراع للمرشح الذي يريد او ان يضع ورقة بيضاء. وبلغ احترام هذا النظام حد القبول بانتخاب رئيس للجمهورية بصوت واحد هو الرئيس سليمان فرنجيه. وتشكيل الحكومات كان يتم وفقا للاصول الديموقراطية، فالحزب او التكتل الذي له شروط للمشاركة في الحكومة ولا تستجاب كان يقرر اما منح الثقة رغم عدم المشاركة او حجبها، ولم يكن يلجأ الى الشارع او الى السلاح، علما انه لم يكن موجودا اصلا. والمذهب الذي لم يكن يتمثل بهذا الزعيم من خط سياسي معين، كان يتمثل بزعيم آخر من المذهب نفسه ومن خط سياسي آخر.
اما اليوم فبات من حق اي مذهب او طائفة ان تقاطع انتخابات رئاسة الجمهورية لتجعل نتائجها غير ميثاقية مناقضة للعيش المشترك، وان ترفض المشاركة في الحكومة اذا لم يؤخذ بمطالبها فتصبح الحكومة عندئذ غير ميثاقية، وهذا ما جعل بدعة "الديموقراطية التوافقية" تفرض نفسها بديلا من الديموقراطية العددية، ولم يعد في الامكان انتخاب رئيس للجمهورية الا بالتوافق، ولا تشكيل حكومة الا بالتوافق ايضا، وصار اتخاذ قرار في كل موضوع مهم يحتاج الى اجماع او شبه اجماع، وهذا نادرا ما يحصل، فيتعطل اتخاذ القرارات وتصاب مصالح البلاد والعباد بالضرر الجسيم.
والسؤال الذي بات مطروحا والجواب عنه ملحاً خدمة لمصلحة الوطن والمواطن هو: كيف السبيل الى تلافي تعريض البلاد لأزمة انتخاب رئيس للجمهورية ولأزمة تشكيل حكومة، وهو ما تشهده منذ سنوات ومنذ ان اصبح النظام الديموقراطي غير صالح للتطبيق بسبب الطائفية؟
الاوساط نفسها ترى ان لا يكون من حق النائب التغيب عن الجلسات المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية الا بعذر شرعي ولظرف قاهر لئلا يصبح هذا التغيب سبباً لتعطيل النصاب بدوافع سياسية حتى وان ادى ذلك الى تعريض أعلى مركز في الدولة لفراغ يقود البلاد نحو المجهول. وعندما يصبح حضور النواب واجباً وطنياً فلا يجوز التخلي عنه كي يصبح النصاب مؤمَّناً ولا يعود يهم عندئذ كم يحتاج التوصل الى انتخاب رئيس الجمهورية بالاكثرية المطلوبة لجلسات عدة ولاكثر من دورة انتخابية ما دامت الآلة الديموقراطية تعمل بانتظام.
أما بالنسبة الى تشكيل الحكومة، ففي الامكان اعتماد احد الحلين الآتيين:
اولا: ان تؤلف الاكثرية النيابية الحكومة شرط ان يراعي التأليف قواعد الميثاق الوطني والعيش المشترك.
ثانيا: ان يتم تأليف حكومة "وحدة طنية" اذا تعذر تأليف حكومة من الاكثرية وحدها شرط ان يسبق تأليفها اتفاق على برنامج عملها لا ان يكون هذا البرنامج سبباً لخلافات داخل الحكومة وبعد تشكيلها فتفجّرها. اي ان يكون الوفاق المسبق هو السبيل الى تشكيل حكومة وفاق وليس العكس، لئلا تواجه الحكومة بعد تجاوز الخلافات على الحصص والحقائب خلافاً جديداً حول البيان الوزاري، وهو خلاف يشل عملها ويعرقل مسيرتها ويجعل مصالح الناس الحيوية خاضعة للتجاذبات والنزاعات السياسية، بل يجب اعتماد الوفاق المسبق كما حصل في الماضي عندما تشكلت حكومة الرئيس كرامي على اساس قبول من يشاركه فيها باتفاق القاهرة.
ولا بد من جهة اخرى، الاتفاق على تحديد مهلة للرئيس المكلف تشكيل الحكومة فلا تبقى كما هي حالياً مفتوحة والازمة الوزارية مفتوحة معها... ولا بد ايضا من ان يكون لرئيس مجلس النواب دور في تسهيل عملية التأليف ومساهمته في ازالة العراقيل بصفته رئيسا للسلطة الاشتراعية وهي صفة ينبغي أن يفصلها عن صفته الحزبية. ذلك ان رؤساء المجالس النيابية في الماضي وقبل اتفاق الطائف، كانوا قوة مساندة لرئيس الجمهورية، وكان انتخابهم يتم بايحاء منه.
ان الوضع الشاذ الذي تعيشه البلاد منذ سنوات اذا ظل من دون معالجة للخروج منه، فان لبنان سيظل خاضعاً لانظمة غير قابلة للحكم او لوصايات خارجية مباشرة او غير مباشرة، خصوصاً عندما يتحول كل مذهب الى حزب قادر على ان يفتح الباب للأزمات المستعصية.
هذا الوضع الشاذ جعل الرئيس ميشال سليمان يتساءل في كلمته القيمة في الاحتفال بعيد الجيش أول آب 2009: "ترى ما الذي يمنعنا من تحقيق حلم كل شهيد بوطن ديموقراطي حر، بعيداً من الطائفية والمحاصصة، وما الذي يثنينا عن القيام بخطوات اصلاحية لازمة، فنعزل الفاسد ونكف يد السارق ونتبرأ من حامل السلاح لغاياته الخاصة لتتمكن القوى الامنية من ضرب المخلين. فاذا كانت العلّة فينا كمسؤولين فلنذهب، واذا كانت في الدستور فلنعمل على تعديله أو تصحيح ما يعتريه من شوائب وضمن روحية اتفاق الطائف ما يكفل تحقيق التوازن بين السلطات، واذا كانت العلّة في الطائفية فلنعمل على تطبيق ما دعا اليه الطائف في هذا المجال".
فهل من سميع ومجيب؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك