أعلن الرئيس سعد الحريري الحرب على إيران في لبنان، الذي كان ولا يزال يشكل إحدى أهم جبهات المواجهة العربية الايرانية وأشدها حساسية.. والذي اعتمد في بعض الأحيان مقياسا حاسما لتطور تلك المواجهة وأثرها على موازين القوى بين القوميتين والمذهبين المتصارعين منذ ما قبل ظهور الإسلام وتفرعاته وانشقاقاته.
أعلنها حرباً لا لبس فيها ولا هوادة، لكي لا يصبح لبنان محمية ايرانية، ولا يكون فلكاً معزولاً يدور خارج مداره العربي، الذي يشن بإجماع قل نظيره لم تشذ عنه حتى سوريا، حملة مضادة على إيران تهدف الى إعادتها داخل حدودها، بعدما توسعت في الداخل العربي الى حد انها لم تتورع عن تصنيف الثورات العربية، الديموقراطية والمدنية، كامتداد لثورتها الإسلامية وتجربتها الجمهورية وخياراتها السياسية، واحتضار للمشروع الاميركي في العالمين العربي والاسلامي وللوجود الاسرائيلي في فلسطين.
الاعلان هو بمثابة تطوير للمواجهة الداخلية المفتوحة منذ أشهر مع سلاح حزب الله وهيمنته على الحياة السياسية، التي تجلت في إطاحة الحكومة الحريرية. لكنه ليس مجرد ثأر أو تمهيد لعودة الحريري الى السرايا، برغم أن ضحيته الأولى ستكون الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي قبل المهمة في توقيت لا يحسد عليه وفي ظرف يزداد صعوبة يوماً بعد يوم. الأرجح انها خطوة تضامنية مع الأشقاء العرب جميعا، والخليجيين اولا الذين قرروا وضع حد لما وصفه الحريري بـ«التدخل الإيراني السافر في الداخل العربي»، بعدما شعر العرب بالخشية من ان تستغل إيران لحظة ضعفهم الراهنة والناجمة عن الثورات الشعبية الواسعة من أجل تحقيق المزيد من الاختراقات. هكذا قُرئت تجربة البحرين والكويت وعمان وربما ايضا اليمن. وهكذا أدرج لبنان في علامات الضعف العربي وصار المطلوب أن يمد بأسباب المناعة التي تحميه من خرق إيراني إضافي.
ومثل هذا القرار اللبناني - العربي يهدف الى اختبار دمشق التي أرسلت في الاسابيع الماضية أكثر من إشارة الى استعدادها للانخراط في الحملة العربية على ايران، أو على الاقل في النأي بنفسها عن السياسة الايرانية التي باتت تشكل عبئا داخليا على سوريا. ولم تقتصر تلك الإشارات على الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية السورية وليد المعلم من أزمة البحرين، ومن بقية الأزمات العربية التي يجري البحث فيها عن دليل على تورط إيراني.. مثلما يجري تسليط الضوء على ذلك الحلف السوري الايراني الذي يواجه هذه الأيام واحدا من أخطر تحدياته منذ ثلاثين عاما.
ومهما يكن من ذلك الاختبار العربي لسوريا، فإن إعلان الحرب على إيران لن يكون بالأمر العابر في الداخل اللبناني، حيث لن يكون من السهل عزل النفوذ الايراني كما عُزل في البحرين والكويت واليمن وحوصر في العراق وفلسطين. صحيح أن طهران لم تعد تستطيع الاعتماد على دمشق لحماية ذلك النفوذ كما فعلت طوال العقود الثلاثة الماضية، كما أن حلفاء ايران اللبنانيين لن يأتمروا بأوامرها المتطرفة، لكنهم لن يسلّموا بالموجة العاتية مثل المعارضين البحرينيين، أو الحوثيين اليمنيين قبلهم.. استنادا الى حساسيات لبنانية لم تكن صنيعة إيران وسوريا وحدهما.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك