أمر لا يدعو الى التبرير بل الى التباهي، ان يطل الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مساء امس للدفاع عن ايران بعد آخر اطلالة له لمهاجمة الخليج المدافع عن دولة البحرين، فهو ينتمي جهاراً الى ولي الفقيه الايراني وجيشه. وها هي ظروف هذا الانتماء تقتضي الخروج الى العلن بعدما تعرّض نظام الحكم في ايران لهجوم من رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري الذي رفض أن يكون لبنان أو اي بلد عربي آخر "محمية ايرانية".
لكن ان يطل نصرالله امس بعد يوم على هجوم الخارجية الايرانية على الحريري وبعد يومين على هجوم مماثل من "حزب الله"، فإن الامر ينطوي على حالة طوارئ تستدعي هذا الاستنفار من دون حسبان كل الضغوط التي تعرض لها مَن هم في موقع السلطة كرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، ومن خارج السلطة الذين يدورون في فلك الدعم الايراني الدائم لهم من اجل الانضمام الى الحملة ضد الحريري. واغلب الظن ان السلطة في طهران هالها ان هذا التغيير الذي يشهده العالم العربي يمتد الى سوريا التي تمثل البوابة الكبرى لطموحاتها الامبراطورية في الشرق الاوسط وتحديداً لبنان الذي يمثل نموذجا فريدا لممارسة النفوذ من خلال قوة عسكرية ضاربة يجسدها "حزب الله" ودولة عاجزة عن ممارسة سيادتها يجسدها الواقع الراهن للبنان.
كأن طهران تعلم ان استحقاق التغيير العربي اقترب من لبنان بعدما دقت قبضته على بوابة دمشق. ولذلك نزلت بكل عدتها ومن ضمنها نصرالله الى الميدان لحماية رأس حربتها الاخيرة في المنطقة.
قبل ان يخرج "حزب الله" من كهف الصمت طوال اسابيع خلال حملة الحريري على سلاحه، كان السؤال: ألا يدور نقاش في دوائر نصرالله حول ضرورة الاخذ في الاعتبار ان مئات الالوف خرجوا في 13 ذار الماضي يطالبون بإمرة الدولة لسلاحه، ومثلهم فعل عشرات الالوف في طرابلس بعد ايام من التجمع في ساحة الشهداء؟ المعلومات تفيد أن "حزب الله" تعامل بلا اكتراث مع كل هؤلاء اللبنانيين ولم يجد في اصواتهم اي تهديد لسلاحه والنفوذ الذي يتمتع به.
الحريري الذي أطل مباشرة بعد حملة نصرالله على دولة البحرين استبق عاصفة آتية تتهدد ارزاق مئات الالوف من اللبنانيين في منطقة الخليج. فعندما يتصدى للمنطق المذهبي الذي اطلقه نصرالله على ما يجري في دولة البحرين يتولى حماية المغتربين في تلك الدولة وسائر دول المنطقة والتي تخوض اليوم مواجهة لا سابق لها منذ قيام الجمهورية الاسلامية في ايران عام 1979 مع النظام الايراني. ولمن تعوزه الشواهد يمكنه العودة الى ترحيل مليون يمني من السعودية وألوف الفلسطينيين من الكويت ابان غزو صدام حسين لتلك الدولة عام 1990 وذلك في توترات خارج التصنيف المذهبي. كما يعلم اللبنانيون ممن يملكون ذاكرة جيدة كيف كان يتم الحصول على تأشيرة دخول الى الخليج بعد صعوبات جمة في فترة الثمانينات من القرن الماضي.
كي لا يصبح مئات الالوف من اللبنانيين وقودا للصراع الايراني – الخليجي، أعلن الحريري خياره العربي بوضوح كامل. والصراع هنا ليس كالذي دار في ساحل العاج بين رئيس منتخب ورئيس منتهية ولايته مما هدد ارزاق عشرات الالوف من المغتربين هناك، بل هو صراع اعمق بكثير وستمتد آثاره الى مرحلة طويلة.
خلال حرب 2006 التي شردت مئات الالوف وخصوصا من الاهل الشيعة، حدثت واقعة من المفيد تكرار ذكرها اليوم بعدما وردت في هذه الزاوية سابقا. فقد طلب وفد التجار ورجال الاعمال الشيعة من السفير الايراني منحهم تأشيرات وتسهيلات للبحث عن مصادر رزق في ايران ريثما ينجلي غبار الحرب في لبنان. فكان جواب السفير الذي نزل كالصاعقة على رؤوس افراد الوفد: "لقد كتب الله لكم نعمة الشهادة في لبنان فكيف تتخلون عنها؟".
من الطبيعي أن يكون منطق نصرالله مشابها لمنطق السفير الايراني في ذلك الزمن ومنطق الخارجية الايرانية بالامس. لكن ما هو مخالف للطبيعة ان يخرج الرئيسان سليمان وميقاتي وغيرهما بمواعظ حول سياسة لبنان الخارجية من اجل انتقاد الرئيس الحريري في حين ان القطة، كما يقال، أكلت ألسنتهم عندما تعرضت مصالح مئات الالوف من اللبنانيين للخطر عندما شن السيد نصرالله حملته الخليجية، علما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لم ينضم الى الجوقة الايرانية في لبنان، وهو بالكاد يستعيد هدوءه بعد الحملة التي حملت في ظاهرها توقيع "ويكيليكس" وفي باطنها فتوى ايرانية، على ما قال ويقال في اوساط تقرأ ما بين السطور.
لنصرالله الحق الكامل في اعلان انتمائه الايراني، فهذا اوله وهذا آخره. اما لبنان فحقه عند الحريري في اعلان انتمائه العربي المكرس في الدستور الذي لا يشير من قريب او بعيد الى الانتماء الفارسي. فلبنان بانتمائه العربي يستمد كل اسباب البقاء والقوة. وعلى اللبنانيين ان يتمسكوا به كي لا يغرقوا في نكبة كبرى بعد مسلسل نكبات مغلّفة بشعار: "كتبت لكم نعمة الشهادة!”.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك