ثمة في منطقة الشرق الاوسط والعالم العربي عموماً ميل ولا سيما عند المعادين للولايات المتحدة، او للمشككين في دوافعها وإن حلفاء، الى اتهامها بالوقوف وراء كل ما جرى ويجري وسيجري فيها بل بالتخطيط المسبق له. وفي جولتي البحثية الاخيرة فيها اكتشفت، بعد الانتفاضات الشعبية في العالم العربي على الانظمة والحكام وإن على نحو تدريجي، ان المسؤولين فيها فوجئوا بالكثير من الذي حدث، وارتبكوا وحاولوا معرفة ما يجري. ولا يعني ذلك انهم استمروا متفرجين بعد الانتفاضات المتنقلة. ذلك انهم تدخلوا اولاً لمعرفة ما يجري وثانياً لتوجيهه، بحيث لا تكون نتائجه ضد المصالح الحيوية والاستراتيجية لبلادهم وفي مقدمها النفط ومحاربة الارهاب وامن اسرائيل. وفي اي حال ان إيراد ما قاله الذين تيسر لي الالتقاء بهم من مسؤولين حاليين وسابقين ومن باحثين ومتعاطي الشأن العام يثبت في شكل او في آخر صحة هذا الاستنتاج. ماذا دار في اللقاء مع صديق حميم لي كان موظفاً رفيعاً في ادارة سابقة ولا يزال يتعاطى السياسة والشأن العام في بلاده وفي العالم؟ عن لبنان قال: «انه ليس في حال جيدة. «حزب الله» في حال جيدة. وسوريا في حال جيدة! ليست قلقة او بالاحرى لا يحتمل ان يحصل فيها ما حصل في دول عربية اخرى! لم ينس السوريون «حماه» وما جرى فيها بعد». وعن مصر قال: «ذهب فرانك وزنر» الى القاهرة موفداً من الادارة الاميركية الى الرئيس المصري حسني مبارك قبل خلعه في محاولة لإقناعه بالعمل الجاد لتأمين انتقال سلس ومرضٍ للشعب في السلطة. بعد 48 ساعة، وفي اثناء عودته من العاصمة المصرية عبر اوروبا حيث كان سيلقي محاضرة، سمع تصريحات رسمية للرئيس اوباما وكلينتون وزيرة خارجيته تدعو مبارك الى الرحيل عن السلطة فوراً. وكان ذلك كأنهما امسكا بمبارك حليف اميركا على مدى سنوات طويلة والقيا به تحت دواليب «الباص». قال لي الامير السعودي محمد بن نايف: ماذا تفعلون في اميركا؟ ماذا تريدون؟ اجبت: «حقيقة لا نعرف. ردّ: قولوا لنا ذلك على الاقل لكي نعرف كيف نتصرف». وعن دول المغرب العربي قال الموظف الاميركي الرفيع السابق نفسه: «حصلت في المملكة المغربية تحركات شعبية. لكن مشي الحال ولم تتفاقم الاوضاع على الاقل حتى الآن. الجزائر مخيفة. لاحظت اثناء وجودي فيها اكثر من مرة وجود اعداد كبيرة من العاطلين عن العمل كانوا يقفون في معظمهم على ابواب المقاهي يدخنون وهم «ساردون» مع نظرة غامضة وحزينة وربما غاضبة. هذا لاحظته في الجزائر اكثر من غيرها. وهي في رأيي مخيفة اكثر من غيرها. عند رئيسها بوتفليقة طريقة في معالجة مشكلات بلاده. فهو لديه ما يفوق 130 مليار دولار اميركي من جراء النفط والغاز المتوافرين بكثرة في ارض الجزائر. وهو يستعمل بعضاً منها لمعالجة الغضب الشعبي الذي يفجره عادة وعلى نحو شبه منتظم، انقطاع الخدمات وتعطُّل المرافق الحيوية العامة. فاذا اثارت مشكلة مياه نظيفة مثلاً غضب سكان منطقة معينة او مدينة معينة، او بلدة معينة ودفعت الناس فيها الى الشارع والى ممارسة العنف حتى مع رجال الشرطة، يتدخل (اي بوتفليقة) وينفق ملايين الدولارات لحل المشكلة. ويتكرر هذا المشهد في مكان آخر وتتكرر المعالجة الناجعة له حتى الآن. علماً انه يستعمل معها القوة الرسمية عند الحاجة سواء للقمع او للمنع. المشكلة في الجزائر اساساً ليست الديموقراطية. انها مشكلة عدم توافر فرص عمل ودخلٍ متدن ومستوى حياة مقبول». واضاف المسؤول الاميركي الرفيع السابق نفسه: «الديموقراطية نسبية اساسا. جدل ونقاش كما يحصل في الكونغرس عندنا، ومصالح خاصة تتضارب الى آخر ما هنالك من امور. لكن اهميتها انها صمام امان يُنفِّس الاحتقان عندما تفتحه ويحول دون تحوله عنفاً او ثورة. ويقال اذذاك: نعمل انتخابات والشعب يقرر وبحرية ماذا يريد. وهذا مفيد». ماذا عن اسرائيل والفلسطينيين؟ سألت. اجاب الموظف الرفيع السابق نفسه: «تكتيك اسرائيل الجديد هو: إنسوا دولة فلسطين الآن. إنسوا عملية السلام. انا اريد تحسين الأحوال المعيشية والاقتصادية للفلسطينيين». علّقت: هذا لا يمشي. ولا يصنع حلولاً. انتم تحاولون اقناع انفسكم بأن مشكلة الفلسطينيين معيشية فقط. وهذا غير صحيح. انهم يريدون وطناً. ماذا عن الأردن؟ سألت. بماذا اجاب الموظف الاميركي الرفيع السابق نفسه؟ |
النص |
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك