يضبط اللبنانيون ساعتهم على التوقيت الأجنبي. كما في السياسة الداخلية والخارجية، كذلك هم في الظروف العصيبة. يبرز هذا الأمر في التعاطي مع مأساة اللبنانيين في ساحل العاج. اللبنانيون ينتظرون فرنسا
منذ بداية أزمة ساحل العاج، والمفردات الفرنسية حاضرة في جميع التفاصيل المتعلقة باللبنانيين في ساحل العاج. لا تعليق للدروس ولا إقفال للمدارس ما دامت المدارس الفرنسية تفتح أبوابها. لا إجلاء رعايا ما دام الفرنسيون لم يبدأوا إجلاء رعاياهم. الدور الرسمي اللبناني المعدوم الآن يقابله سكون الفرنسيين وترقّبهم. ولكن ليس هناك ما يواكب الصمت الفرنسي، إذ حتى الآن، لا خطة لبنانية محكمة لمواجهة التحديات فور وقوعها، في مقابل قدرة فرنسية واضحة، عسكرية ولوجستية، على توفير الحد الأدنى من الحماية للرعايا الفرنسيين، إضافة إلى تقديم يد العون إلى رعايا الجاليات الأخرى.
رغم ذلك، «كثير من الأشياء في ساحل العاج يبدو لبنانياً: المصانع ـــــ المطاعم ـــــ الاستهلاكيات الكبرى ـــــ أسواق الجملة ـــــ معارض السيارات...»، يقول السفير اللبناني علي عجمي، فضلاً عن الوجود القوي للبنانيين في قطاع الكاكاو، في البلد الإنتاجي الأول في العالم. كذلك يحتل اللبنانيون المرتبة الأولى بين التجار الذين يستوردون معظم السلع من مواد غذائية وأقمشة وغيرها. وهنا تزداد الأسئلة عن أسباب ضعف الحركة الرسمية اللبنانية في هذا البلد. المغتربون في ساحل العاج يكرّرون: يجب وضع حدّ لمعاناة اللبنانيين حيث هم أقوياء، يقول ماهر صباغ، أحد هؤلاء المغتربين. ويرى صباغ أن كل «ما جرى منذ بدء الأزمة، قبل ستة أشهر تقريباً، يفرض على اللبنانيين، برأيه، حكومة وشعباً ومغتربين وأحزاباً وفاعليات، أن يستثمروا طاقاتهم الاقتصادية». تلك الطاقات عماد أساسي من اقتصاد البلد المضيف، فضلاً عن اقتصاد البلد الأم.
«كثير من الأشياء يبدو لبنانياً»، ليست هذه جملة عابرة، إنها فعل الحياة اليومية للعاجيّين. يروي أحمد سرحان أنه على الرغم من وجود شركات أجنبية، فرنسية أو ألمانية أو غيرها، تحظى الشركات اللبنانية بشهرة واسعة. واستناداً إلى شهادات مقيمين في أبيدجان، فإن ساندويش شاورما يصبح «عزيمة محرزة» إذا أردت «تبييض وجهك» أمام صديق عاجي. وإذا كان «الفرد» اللبناني قد فرض وجوده، وأصبح مع الوقت عاملاً مؤثراً في العجلة الاقتصادية، فلماذا على هذا «العنصر الحيوي» أن يسقط «فرق عملة» في اشتباك محلي أو مؤامرة خارجية أو «سوء تقدير»، أو في كل ما قد يُقال عن الأزمة العاجية؟ اللبنانيون يسألون. عملياً، اللبناني لا يستطيع في بلد يدير جزءاً كبيراً من اقتصاده أن تكون علاقته بموطنه علاقة سياحية. من هنا السؤال: ما هي طبيعة العلاقة الرسمية والاقتصادية بين حكومتي لبنان وساحل العاج؟ متى كانت آخر مرة تُتبادل فيها الزيارات الرسمية بين البلدين؟ علماً بأن التمثيل الدبلوماسي في لبنان لتلك البلاد يقتصر على قنصلية وحيدة موجودة في مدينة صيدا الجنوبية، وهذه أسئلة كثيرة أخرى يطرحها المغتربون في أفريقيا.
وبطبيعة الحال، يعلم كثيرون من اللبنانيين أن لبنان ليس فرنسا. قدراته أقل حتى في ساحل العاج. ولكن هناك معادلة حقيقية متناقلة بين اللبنانيين تفيد بأنهم المسيطرون على الاقتصاد في ساحل العاج، وجاليتهم هي الأكبر، إذ يقدر عددهم بعشرات الآلاف، مقابل 15 ألف فرنسي تقريباً، ثم «لا يكون منهم وقت الشدائد إلا أن ينتظروا النخوة الفرنسية، ولا يملكون أياً من أزمّة المبادرة»، كما يعقّب كامل علاء الدين. المغترب يرى الأمر «مهانة كبيرة لم يعد من المقبول السكوت عنها أبداً». يسأل كامل عن الطائرات اللبنانية: «المغتربون افترشوا الأرض لأيام».
وأمس، وصلت إلى مطار بيروت دفعة جديدة من نازحي أبيدجان. وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن طائرتين للميدل إيست غادرتا المطار إلى كل من أكرا وأبيدجان لنقل نازحين جدد. في المقابل، أعلنت لجنة الطوارئ بإشراف السفارة اللبنانية في ساحل العاج أنه «لم يعد لها علاقة بوضع اللوائح وتنظيم الرحلات»، وذلك «نظراً إلى حالة الفوضى التي سادت، وعدم توافر وسائل النقل الكافية»، وتعرّض «أعضاء اللجنة للاتهامات والإهانات». وبناءً على ذلك «تكون المسألة في عهدة شركة طيران الشرق الأوسط والهيئة العليا للإغاثة والقوى الأمنية للمطار». في المحصلة، يصف المغترب وديع نعمة عملية الإجلاء بالمهزلة. ويحذر «كل من يهمه الأمر» من أن المشكلة إلى تفاقم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك