"وزير باليد و10 في الرأس.." لقد بلغت الحسابات التوزيرية شأناً بات من الضروري معه الإستعانة بالآلة الحاسبة، فيصبح الجمع والطرح والضرب والقسمة مسائل بغاية السهولة حسابياً، وأما وطنياً ومنطقياً فهنا العقبة الحقيقة.
"لن نتنازل عن حقائبنا الوزارية". عندما يسمع المواطن هذه العبارة، التي تحتوي على موقف صارم بعدم التنازل، وكأن ذاك التنازل يرمز الى الخسارة ويعني الإنعزال خارج التركيبة، فيتبادر الى الذهن الحقوق الطبيعية التي كان يطالب بها الإنسان في المجتمعات الأوروبية. بالأمس البعيد كان المواطن يناضل في سبيل الحق، يطالب بالمساواة، يرفض الإمتيازات، ويسعى الى الحفاظ على حقوقه الطبيعية. اليوم، باتت الحقائب الوزارية تشكل أحد الحقوق الطبيعية الى جانب الحق والمساواة والحرية والملكية، حمل لواء المطالبة بها "التيار الوطني الحرّ".. فربّما صنّفها في أساس الملكية!
إذاً فـ "التيار" لا يريد التنازل عن حقائبه الوزارية، فالمرافق العامة والوزارات في الدولة بات للوزراء حقّ التصرّف بها! منذ متى؟ فإن كانت وسيلة لتحقيق الخير العام أو الصالح العام، فإن الوزارات العشر التي يرأسها وزراء "التيار" لم تقم بفعل الخير منذ استلامها حتى اليوم، فالكهرباء مقطوعة على حالها، والهاتف المتقطّع لم يبدّل عادته و"داتا" الإتصالات مرتهنة، فضلاً عن أن العدل لم يتحقق والثقافة لم توسّع رقعة انتشارها، والسياحة تمرّ بموسم "عاطل" عن العمل، وغيرها من الأمثلة التي تكاد تكون السالفة الذكر الأقرب الى يوميات المواطنين.
مهما كانت الصيغة الحكومية، فإنها لن تتناسب مع حسابات "التيار"، المتضاربة بدورها مع الحسابات الوطنية وما تقتضيه مصلحة اللبنانيين من ضرورة تشكيل حكومة منعا للفراغ ولو كانت "ميني" حكومة. من أين سيأتي رئيسا الجمهورية والحكومة بالتشكيلة التي طالب بها رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون وله فيها 10 وزراء؟ فالأخير يريدها حكومة موسّعة، أو "ثكنة" وزارية، فيما الوزارة ليست إعاشة ولا تقوم على أشخاص إنما على خدمة المواطنين.
أين سيختار الجنرال حقائبه في صيغة 8-8-8 مثلا؟ حاصل جمع 8+8+8 يساوي 24. وحاصل طرح 24-10 يساوي 14 مقعدا هي "الفضلات" التي تركها "التيار" لشركائه في الوطن، وإذا ما أُضيف الى وزرائه العشرة، وزراء حلفائه فإنه حينئذ لن ينال فريق 8 آذار الثلث المعطّل فحسب، وإنما سيخرج على لبنان بحكومة معطّلة برمّتها، محكوم عليها بعدم دستوريتها قبل أن تُعرض على مجلس النواب.
الفراغ الدستوري لا يهمّ، ولن يكون للحكومة تبعات على انتخابات رئاسة الجمهورية، المهمّ أن تبقى الوزارات الخدماتية، منها ما هو خارج الخدمة ومنها ما "يضع العصي في دواليب" العدالة. "لي وزرائي ولكم وزراؤكم"، وإن لم تُعجب هذه النظرية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فربّما عليهما أن يشكّلا حكومة ظلّ تشبه تلك التي في بريطانيا، حيث يشكّل الحزب الخاسر في الإنتخابات حكومة ظل مموّلة من الدولة ودورها مراقبة الحكومة الرسمية التي فازت في المجلس. والعبرة من ذلك بأنها تتوافق مئة بالمئة مع حالة "التيار" في لبنان، فمن توزّر منهم كان رسب في الإنتخابات النيابية، ومنهم صهر الجنرال.. لكن هذه الفرضية لا تتلاءم مع النظام اللبناني، لأنه ليس نظاما برلمانياً كما في بريطانيا، ولن تحظى حكومة "ظل" الجنرال بمعاشات من الدولة.
يبقى أن هناك العديد من الإحتمالات التي قد يستفيد منها من يسعى الى تشكيل الحكومة.. فممّ تشتكي حكومة تتفرّع منها حكومة أخرى، فيصبح شعارها "لدينا فرع آخر"، فرع خاص بـ "التيار"، ولأن 24>10، فإن طُموح "التيار" يفوق العدد 10، فإنه لا بدّ أن تصبح حكومة الفرع أوسع من حكومة الأصل حتى يصبح الأصل متفرّعاً من الفرع.
قصة وزراء "التيار" والحقائب ليست أحجية كقصة الدجاجة والبيضة، فالحقيبة الوزارية وُجدت طبعا قبل "ولادة" العونيين. لكن، وعلى الرغم من ذلك، فقد أصبحوا "يدمنون" الحقائب الوزارية، لا حياة من دونها والمصير الشخصي لكل وزير متعلّق بتلك الحقيبة المحشوّة بالتعهّدات والمناقصات و"المزايدات" والمفرغة من القوانين. يبدو أن للحقيبة الوزارية مغناطيس من الألماس، فما أحلى العودة الى الحقيبة المدرسية!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك