متى تنتهي الثورات الشعبية التي تجتاح عدداً من دول المنطقة، وأي نظام يستقر فيها؟ ذلك أن هذه الثورات تختلف ببداياتها ونهاياتها عن الانقلابات العسكرية التي تحسم الأمور خلال ساعات إذا نجحت، وإلا اعتقل القائمون بها وحوكموا إذا فشلوا.
هذا هو السؤال الذي لا جواب عنه، ففي مصر وكذلك في تونس تأخذ الثورة طريقها نحو الاستقرار وتركيز النظام الديموقراطي الجديد، وهو ما يهم الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً ودول الغرب عموماً.
أما اسرائيل فكل ما يهمها في التغيير الحاصل في أنظمة الحكم والحكّام في المنطقة هو أن تبقى حدودها هادئة وآمنة ولا يقوم حكم جديد يعيد النظر في اتفاقات السلام المعقودة معها، وهي لذلك تراقب باهتمام وربما بقلق لمعرفة ماذا بعد الثورات العربية حتى إذا لم يكن ما يرضيها ويريح بالها، عمدت إلى تغذية أسباب استمرار الفوضى وعدم الاستقرار لتظل الدول التي تتآكلها الاضطرابات والقلاقل مشغولة بنفسها عن اسرائيل، وهو ما يحصل حتى الآن في ليبيا واليمن، ولا أحد يعرف ما إذا كانت الثورة الشعبية ستمتد إلى دول أخرى فتدخل المنطقة عندئذ في حالة فوضى عارمة طويلة تسير بها نحو المجهول وتستنزف طاقاتها الاقتصادية ومواردها المالية والطبيعية. ولم تعد الولايات المتحدة الأميركية من جهتها تخاف وصول من يوصفون بالأصولية والتطرف إلى السلطة ما دامت إرادة الشعب هي التي تسقط من توصلهم إلى السلطة إذا أساءوا التصرف مع الحرية ومع المشكلات الاجتماعية والمعيشية، وهذا ما جعل مستشارة الرئيس أوباما للشؤون الاسلامية داليا مجاهد تقول في حديث صحافي: "إن أميركا لا تخشى جماعة الإخوان المسلمين بسبب كونها جماعة اسلامية، خصوصاً أنها غير مدرجة ضمن المنظمات الارهابية. فأميركا ليست ضد الاسلاميين بدليل أنها غير قلقة من الاسلاميين في ماليزيا واندونيسيا. فالخوف من "الإخوان" سببه الخوف من زيادة التعاطف مع غزة والقضية الفلسطينية وهو بالطبع في غير صالح اسرائيل، وان طريقة تعامل أميركا مع مصر ستختلف بشكل ايجابي في المرحلة المقبلة وأنها ستتبع سياسة أقرب الى سياساتها مع تركيا، وان مصر ستصبح مثل تركيا ذات قوّة ووزن في المنطقة. ويمكن القول إن الثورة المصرية غيّرت سياسة أميركا حيال مصر، وكذلك حيال إسرائيل في المنطقة، وأن الديموقراطية في مصر ستغير المنطقة بكاملها".
وإذا كانت الأوضاع في مصر وتونس تسير رويداً نحو الاستقرار، فإن الأوضاع مختلفة في ليبيا، إذ إن كثيرين ظنوا أن التدخل العسكري الغربي بواسطة حلف شمال الأطلسي سوف يجعل النظام فيها يسقط خلال أيام، وإذا بالمعارك تطول بين من هم مع النظام ومن هم ضده، وقد يكون ثمة تجاذب بين دول الغرب وكذلك مع اسرائيل حول مستقبل ليبيا. هل تبقى واحدة موحّدة أم تقسّم؟ وان دول الغرب قد تكون مهتمة بنتائج الثورات العربية أكثر من اهتمامها بالثورات ذاتها، فلا يكفي ان تطمئن الى نتائجها بلباس رداء الديموقراطية ومكافحة الفساد والتصدي للظلم والاستبداد، إذ ربما تخفي في داخلها ما يثير الريبة خصوصاً إذا أدخلت المنطقة مرحلة المراوحة وربما الفوضى، وما الذي يحدث عندئذ لأسعار النفط ولمسار الديموقراطية ذاته، وهل تعود وتتحول الى فاشية وشمولية؟ وهذا ما يشغل بال ادارة الرئيس الأميركي وقد بات قريباً من مواجهة الانتخابات الرئاسية.
يبقى أن ما يهم لبنان بصورة خاصة هو الوضع في سوريا وفي أي اتجاه يسير، لأن لمساره تأثيراً على الوضع عندنا خصوصاً وبلدنا يواجه أزمة وزارية استعصى حلّها حتى الآن، ولا بدّ أن تأخذ الحكومة العتيدة شكل ما سيحصل في سوريا، وأن يصبح مصيرها مرتبطاً بما قد يحصل في ما بعد. فحتى الآن لا تزال القيادة السورية ممسكة بالوضع خلافاً لما كان عليه في مصر وتونس، وأن المتظاهرين لم يخرجوا بشعاراتهم عن حدود المطالبة بالاصلاح واستعجال اجرائه، ولم ترتفع أصوات تدعو الى سقوط النظام ورحيل الرئيس بشار الأسد. فهل يكون استعجال تحقيق الاصلاح كافياً لبقاء النظام وأهله؟
وفي المعلومات أن في داخل الادارة الأميركية انقساماً حول كيفية مواجهة الوضع في سوريا، وذلك بين من يرى الاكتفاء بتحقيق الاصلاحات المطلوبة لتخرج سوريا من الحكم الشمولي إلى الحكم الديموقراطي، ومن يرى عدم الاكتفاء بذلك وأن يكون التغيير في النظام وفي أهله أيضاً.
أما اسرائيل ففي رأي رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست النائب المعارض شاؤول موفاز كما جاء في حديث صحافي له: "إن الرئيس الأسد سيحاول التمسك بحكمه بكل قوّة ولا أحد يستطيع توقّع ما الذي ستسفر عنه التطورات. فسوريا مختلفة عن تونس ومصر وليبيا وغيرها، لكن ما يقلق هو أن إيران تزداد قوّة، ولستُ واثقاً من أن الايرانيين وحلفاءهم ليس لهم يد في ما يجري في العالم العربي.
هل يمكن القول بعد عرض ما يحصل في عدد من الدول العربية أن لبنان سيبقى في غرفة الانتظار، وفي معزل عما يجري سواء تشكلت الحكومة أو ظل تشكيلها يتعثر، وذلك ريثما تنجلي صورة الوضع في المنطقة ولا سيما في سوريا، لان الخوف على الحكومة بعد التشكيل لا يقلّ عن الخوف الذي يواجهها في التشكيل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك