لن يجد النظام السوري في محنته المصيرية المتدحرجة من هم أوفى له من حلفائه اللبنانيين، كما لن يجد من هم حكماء في التعامل مع هذا التطور أكثر من خصومه اللبنانيين. وتبعاً لهذه القاعدة التي تمليها المصالح الكبرى للأفرقاء اللبنانيين، تغدو استعادة العدائية حيال فريق لبناني بذريعة اتهامه بالتورط في الحدث السوري أشبه بضربة سيف ضائعة في مياه هائجة.
مع ذلك، سيتعين على القوى اللبنانية ان تواجه بسرعة المضاعفات المتعاقبة لحالات الانكار التي تتعامل عبرها أنظمة عربية مختلفة مع الثورات التي تضربها. فلنقل – على سبيل التوازن مثلاً – إن الاتهام السوري لتيار "المستقبل" بالتورط في تحريك الاضطرابات السورية شبيه بالاتهام الليبي لـ"حزب الله" بالقتال الى جانب الثوار الليبيين. في الشكل على الاقل، ثمة حالة إنكار سورية مماثلة لحالة إنكار ليبية لذاتية الثورة في كلا البلدين. فحتى مع التسليم بصحة الاتهام لن يقوى عاقل على تصور قدرة "المستقبل" على دفع آلاف النسوة السوريات الى التظاهر او دفع طلاب جامعة حلب الى إسقاط جدار الخوف. وحتى مع التسليم بصحة الاتهام لن تقاس قدرة "حزب الله" بتلك الضخامة التدميرية التي تحوِّل القذافي الى نيرون ليبيا.
واذا كان النموذجان يكشفان بلا جدل الانكار المستحكم بالنظامين، فاللبنانيون ليسوا معنيين الا بما توحيه أي محاولة للزج بهم في تركة ارتباطاتهم او خلافاتهم او استدراجهم او حتى احتمال تورطهم، اذا حصل، بهذا الجحيم القلاب المتدحرج في المنطقة.
هنا تماماً تقع لحظة المقتل الداخلي، ان لم يُظهر الافرقاء اللبنانيون تفوقاً غير عادي على الموروث القديم المتهالك من الارتباط بصراعات المحيط الاقليمي وتقلباته الى حد الانتحار معه ان لم يجر استدراك هذه الشرور المبيتة. والامر لا يقف عند حدود تسفيه أي اتهام او زعم ولو كان في ذاته متهالكاً، بل يستدعي سلوكاً سياسياً داخلياً لم تظهر ملامحه بعد، خصوصاً لدى الائتلاف الأكثري الجديد. فاليوميات اللبنانية تظهر القوى اللبنانية في عالم منقطع عن حريق يضرب المنطقة ويلتهمها بلداً إثر بلد. وثمة في هذا السياق فرصة تاريخية للأفرقاء اللبنانيين لقلب الطاولة على كل القديم والاقبال على النجاة بلبنان وتحييده تحييداً ناجزاً كاملاً عن كل "الروابط" القاتلة ما دامت بلدان "المنشأ" تعاني سكرات الانهيار الواحدة تلو الاخرى. وفي مقابل الانكار القاتل هناك بات يحق للبنانيين ان يبصروا مشاهد "الاعتراف" الداخلي هنا التي قد تبدأ بمجرد سقوط للمكابرة والمبادرة الى "سرقة" لبنان من عتيقه وخطفه الى مبادرة سيادية ناجزة لا يكون فيها أي رابط إلا مع المصالح الكبرى لأهله وحدهم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك